Warning: Undefined variable $offset in /home/aaynetcom/dev01.aaynet.com/includes/class-user.php on line 1
AAYNET - Social Network - البحث

البحث

  • #تأملات_قرآنية
    ﴿ إِذَا ٱلشَّمۡسُ كُوِّرَتۡ ١ ﴾
    " التكوير "

    💡قال رسول الله ﷺ :
    ( من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأى عين فليقرأ
    {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} ،
    و {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} ،
    {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}.)
    "صححه الألباني"

    💡ابن عثيمين
    ( الشمس كتلة عظيمة كبيرة واسعة في يوم القيامة يُكَوِّرُها الله عز وجل فيلفّها جميعًا ويطوي بعضها على بعض فيذهب نورها ، ويلقيها في النار إغاظةً للذين يعبدونها من دون الله. )

    💡الألوكة
    ( يقول علماءُ الفَلَك :
    لو انطفأتِ الشمسُ فَجْأَةً ؛ لَغَرِقَتِ الأرضُ في ظَلامٍ دامِسٍ ، ولَهَبَطَتْ درجةُ الحرارةِ فيها إلى 270 درجةً تحتَ الصِّفرِ ، ولَتَحَوَّلَتِ الأرضُ إلى قَبْرٍ جَلِيديٍّ !
    وإنَّ انعدامَ الدِّفْءِ ، والنُّورِ ؛ كافِيَانِ لِقَتْلِ كُلِّ مَظْهَرٍ من مَظاهِرِ الحياةِ على سَطْحِ الأرضِ )

    💡(• السورة تعالج حقيقتين هامتين :
    1⃣ حقيقة القيامة وهول أعلامها وحساب الناس فيه ومصائرهم.
    2⃣ حقيقة الوحي والرسالة وتوكيد صدق ما أخبر به النبي ﷺ من صلته بوحي اللّه وملكه ونفي الجنون عنه وصلة الشيطان به.

    •السورة فيها اثنا عشر " إذا " متعاطفة
    تبدأ بقوله {إذا الشمس كورت}
    وتنتهي بقوله {وإذا الجنة أزلفت}.)

    " البيان في دراسة سور القران "
    #تأملات_قرآنية ﴿ إِذَا ٱلشَّمۡسُ كُوِّرَتۡ ١ ﴾ " التكوير " 💡قال رسول الله ﷺ : ( من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأى عين فليقرأ {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} ، و {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} ، {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}.) "صححه الألباني" 💡ابن عثيمين ( الشمس كتلة عظيمة كبيرة واسعة في يوم القيامة يُكَوِّرُها الله عز وجل فيلفّها جميعًا ويطوي بعضها على بعض فيذهب نورها ، ويلقيها في النار إغاظةً للذين يعبدونها من دون الله. ) 💡الألوكة ( يقول علماءُ الفَلَك : لو انطفأتِ الشمسُ فَجْأَةً ؛ لَغَرِقَتِ الأرضُ في ظَلامٍ دامِسٍ ، ولَهَبَطَتْ درجةُ الحرارةِ فيها إلى 270 درجةً تحتَ الصِّفرِ ، ولَتَحَوَّلَتِ الأرضُ إلى قَبْرٍ جَلِيديٍّ ! وإنَّ انعدامَ الدِّفْءِ ، والنُّورِ ؛ كافِيَانِ لِقَتْلِ كُلِّ مَظْهَرٍ من مَظاهِرِ الحياةِ على سَطْحِ الأرضِ ) 💡(• السورة تعالج حقيقتين هامتين : 1⃣ حقيقة القيامة وهول أعلامها وحساب الناس فيه ومصائرهم. 2⃣ حقيقة الوحي والرسالة وتوكيد صدق ما أخبر به النبي ﷺ من صلته بوحي اللّه وملكه ونفي الجنون عنه وصلة الشيطان به. •السورة فيها اثنا عشر " إذا " متعاطفة تبدأ بقوله {إذا الشمس كورت} وتنتهي بقوله {وإذا الجنة أزلفت}.) " البيان في دراسة سور القران "
    0
  • #تأملات_قرآنية

    ﴿ تَنزِیلُ ٱلۡكِتَـابِ لَا رَیۡبَ فِیهِ مِن رَّبِّ ٱلۡعَـالَمِینَ ٢ ﴾ "السجدة"
    💡الآلوسي
    ( وتُسَمّى المَضاجِعَ )

    💡( كَانَ ﷺ
    لا يَنامُ حتى يقرأَ الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةُ ، و تَبارَكَ الذي بيدِهِ الملكُ )
    صححه الألباني

    💡القاسمي
    ( سُمِّيَتْ بِها ، لِأنَّ آيَةَ السَّجْدَةِ مِنها ، تَدُلُّ عَلى أنَّ آياتِ القُرْآنِ مِنَ العَظَمَةِ بِحَيْثُ تَخِرُّ وُجُوهُ الكُلِّ ، لِسَماعِ مَواعِظِها ، وتَنَزُّهِ مَنزِلِها عَنْ أنْ يُعارِضَ في كَلامِهِ .
    وبِشُكْرِهِ عَلى كَمالِ هِدايَتِهِ .
    وهَذا أعْظَمُ مَقاصِدِ القُرْآنِ.)

    💡ابن عاشور
    ( افتتحت السورة بالتنويه بشأن القرآن ؛ لأنه جامع الهدى الذي تضمنته هذه السورة وغيرها ،
    ولأن جماع ضلال الضالّين هو التكذيب بهذا الكتاب ،
    فالله جعل القرآن هدى للناس ،
    وخصّ العرب أن شَرفهم بجعلهم أولَ من يتلقّى هذا الكتاب)

    💡القرطبي
    ( لَا شَكَ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، فَلَيْسَ بِسِحْرٍ وَلَا شِعْرٍ وَلَا كهانة ولا أساطير الأولين.)
    #تأملات_قرآنية ﴿ تَنزِیلُ ٱلۡكِتَـابِ لَا رَیۡبَ فِیهِ مِن رَّبِّ ٱلۡعَـالَمِینَ ٢ ﴾ "السجدة" 💡الآلوسي ( وتُسَمّى المَضاجِعَ ) 💡( كَانَ ﷺ لا يَنامُ حتى يقرأَ الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةُ ، و تَبارَكَ الذي بيدِهِ الملكُ ) صححه الألباني 💡القاسمي ( سُمِّيَتْ بِها ، لِأنَّ آيَةَ السَّجْدَةِ مِنها ، تَدُلُّ عَلى أنَّ آياتِ القُرْآنِ مِنَ العَظَمَةِ بِحَيْثُ تَخِرُّ وُجُوهُ الكُلِّ ، لِسَماعِ مَواعِظِها ، وتَنَزُّهِ مَنزِلِها عَنْ أنْ يُعارِضَ في كَلامِهِ . وبِشُكْرِهِ عَلى كَمالِ هِدايَتِهِ . وهَذا أعْظَمُ مَقاصِدِ القُرْآنِ.) 💡ابن عاشور ( افتتحت السورة بالتنويه بشأن القرآن ؛ لأنه جامع الهدى الذي تضمنته هذه السورة وغيرها ، ولأن جماع ضلال الضالّين هو التكذيب بهذا الكتاب ، فالله جعل القرآن هدى للناس ، وخصّ العرب أن شَرفهم بجعلهم أولَ من يتلقّى هذا الكتاب) 💡القرطبي ( لَا شَكَ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، فَلَيْسَ بِسِحْرٍ وَلَا شِعْرٍ وَلَا كهانة ولا أساطير الأولين.)
    0
  • #غريب_الألفاظ

    7- { خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ }
    بمنزلة طَبَعَ الله عليها.
    والخَاتَمُ بمنزلة الطابَع.
    وإنما أراد: أنه أقفل عليها وأغلقها،
    فليست تعي خيرا ولا تسمعه.
    وأصل هذا: أن كل شيء ختمتَه، فقد سددتَه وربطتَه.

    ثم قال عز وجل: { وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ } ابتداء.
    وتمامُ الكلام الأول عند قوله: { وَعَلَى سَمْعِهِمْ } .
    والغِشَاوَة: الغِطاء.
    ومنه يقال: غَشِّه بثوب، أي: غَطِّه.
    ومنه قيل: غاشية السَّرْج؛ لأنها غِطاء له.
    ومثلُه قوله: { لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ }.

    9- وقوله: { يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ } ؛
    يريد: أنهم يُخَادِعُونَ المؤمنين بالله؛
    فإذا خادعوا المؤمنين بالله: فكأنهم خادعوا الله.
    وخِدَاعُهُمْ إيّاهم، قولهم لهم إذا لقُوهم: { قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ }
    أي: مَرَدَتِهِمْ؛ { قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ } .
    وما يُخَادِعون إلا أنفسهم: لأن وَبَالَ هذه الخديعة وعاقبتها راجعة عليهم؛.
    وهم لا يَشْعُرُون.

    10- { فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ } أي: شك ونفاق .
    ومنه يقال: فلان يُمَرِّضُ في الوعد وفي القول؛ إذا كان لا يصححه، ولا يؤكده.

    13- { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ } يعني: المسلمين؛
    { قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ } ؟! أي: الجهلة
    ومنه يقال: سَفِه فلانٌ رأيَه؛ إذا جَهِله .
    ومنه قيل [للبَذَاء] : سَفَهٌ؛ لأنه جهْل.

    15- { اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ } أي يجازيهم جزاء الاستهزاء.
    ومثله قوله: { نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } ؛ أي جازاهم جزاء النسيان.
    { وَيَمُدُّهُمْ } أي: يتمادى بهم، ويطيل لهم.
    { فِي طُغْيَانِهِمْ } أي: في عُتُوِّهِمْ وتكبُّرهم.
    ومنه قوله: { إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ } (5) ؛ أي: علا.
    { يَعْمَهُونَ } يركبون رءُوسهم فلا يُبصرون.
    ومثله قوله:
    { أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } ؟
    يقال: رجل عَمِهٌ وعَامِهٌ؛ أي: جائِرٌ [عن الطريق] .
    وأنشد أبو عُبَيْدَةَ:
    وَمَهْمَهٍ أطْرَافُهُ في مَهْمِهِ ... أعْمَى الهُدَى بالجاهِلِينَ العُمَّهِ

    16- { أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى } أي: استبدلوا.
    وأصل هذا: أن من اشترى شيئا بشيء، فقد استبدل منه.
    { فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ } والتجارةُ لا تَربح، وإنما يُربح فيها. وهذا على المجاز.
    #غريب_الألفاظ 7- { خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ } بمنزلة طَبَعَ الله عليها. والخَاتَمُ بمنزلة الطابَع. وإنما أراد: أنه أقفل عليها وأغلقها، فليست تعي خيرا ولا تسمعه. وأصل هذا: أن كل شيء ختمتَه، فقد سددتَه وربطتَه. ثم قال عز وجل: { وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ } ابتداء. وتمامُ الكلام الأول عند قوله: { وَعَلَى سَمْعِهِمْ } . والغِشَاوَة: الغِطاء. ومنه يقال: غَشِّه بثوب، أي: غَطِّه. ومنه قيل: غاشية السَّرْج؛ لأنها غِطاء له. ومثلُه قوله: { لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ }. 9- وقوله: { يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ } ؛ يريد: أنهم يُخَادِعُونَ المؤمنين بالله؛ فإذا خادعوا المؤمنين بالله: فكأنهم خادعوا الله. وخِدَاعُهُمْ إيّاهم، قولهم لهم إذا لقُوهم: { قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ } أي: مَرَدَتِهِمْ؛ { قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ } . وما يُخَادِعون إلا أنفسهم: لأن وَبَالَ هذه الخديعة وعاقبتها راجعة عليهم؛. وهم لا يَشْعُرُون. 10- { فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ } أي: شك ونفاق . ومنه يقال: فلان يُمَرِّضُ في الوعد وفي القول؛ إذا كان لا يصححه، ولا يؤكده. 13- { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ } يعني: المسلمين؛ { قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ } ؟! أي: الجهلة ومنه يقال: سَفِه فلانٌ رأيَه؛ إذا جَهِله . ومنه قيل [للبَذَاء] : سَفَهٌ؛ لأنه جهْل. 15- { اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ } أي يجازيهم جزاء الاستهزاء. ومثله قوله: { نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } ؛ أي جازاهم جزاء النسيان. { وَيَمُدُّهُمْ } أي: يتمادى بهم، ويطيل لهم. { فِي طُغْيَانِهِمْ } أي: في عُتُوِّهِمْ وتكبُّرهم. ومنه قوله: { إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ } (5) ؛ أي: علا. { يَعْمَهُونَ } يركبون رءُوسهم فلا يُبصرون. ومثله قوله: { أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } ؟ يقال: رجل عَمِهٌ وعَامِهٌ؛ أي: جائِرٌ [عن الطريق] . وأنشد أبو عُبَيْدَةَ: وَمَهْمَهٍ أطْرَافُهُ في مَهْمِهِ ... أعْمَى الهُدَى بالجاهِلِينَ العُمَّهِ 16- { أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى } أي: استبدلوا. وأصل هذا: أن من اشترى شيئا بشيء، فقد استبدل منه. { فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ } والتجارةُ لا تَربح، وإنما يُربح فيها. وهذا على المجاز.
    0
  • 🌴﴿ فَنَادَىٰ فِی ٱلظُّلُمَـاتِ أَن لَّاۤ إِلَـٰهَ إِلَّاۤ أَنتَ سُبۡحَـانَكَ إِنِّی كُنتُ مِنَ ٱلظَّـلِمِینَ ٧ ٨ ﴾ "الأنبياء"

    💡السعدي
    ( أقر لله تعالى بكمال الألوهية: ﴿ لا إله إلا أنت ﴾،
    ونزهه عن كل نقص وعيب وآفة:﴿سبحانك﴾،
    واعترف بظلم نفسه وجنايته:﴿إني كنت من الظالمين﴾. )

    💧قال النبي ﷺ :
    ( دعوةُ ذي النُّونِ إذ دعا وهو في بطنِ الحوتِ لا إلهَ إلَّا أنتَ سبحانَك إنِّي كنتُ من الظالمينَ فإنَّه لم يدعُ بها رجلٌ مسلمٌ في شيءٍ قطُّ إلَّا استجاب اللهُ له) صححه الألباني

    💧الموسوعة القرآنية
    ( @ الإقرار بالذنب والاعتراف به ، من دواعي إجابة الدعاء والمغفرة.

    © التوحيد أعظم دعاء تتوسل به في الكربات.

    @ صحّ عن حذيفة -رضي الله عنه- موقوفًا عليه ": يأتي عليكم زمان لا ينجو فيه إلا من دعا دعاء الغريق"

    © حتى في بطن الحوت كان هناك أمل ، ونحن نفقد الأمل في أبسط ما حصل.

    @ في هذا الدعاء سر عجيب في تغير الحال ، فهو يجمع بين التوحيد والاعتراف بالضعف دون الله.

    ✋ليست له وحده عليه السلام !
    {وكذلك ننجي المؤمنين﴾.)
    🌴﴿ فَنَادَىٰ فِی ٱلظُّلُمَـاتِ أَن لَّاۤ إِلَـٰهَ إِلَّاۤ أَنتَ سُبۡحَـانَكَ إِنِّی كُنتُ مِنَ ٱلظَّـلِمِینَ ٧ ٨ ﴾ "الأنبياء" 💡السعدي ( أقر لله تعالى بكمال الألوهية: ﴿ لا إله إلا أنت ﴾، ونزهه عن كل نقص وعيب وآفة:﴿سبحانك﴾، واعترف بظلم نفسه وجنايته:﴿إني كنت من الظالمين﴾. ) 💧قال النبي ﷺ : ( دعوةُ ذي النُّونِ إذ دعا وهو في بطنِ الحوتِ لا إلهَ إلَّا أنتَ سبحانَك إنِّي كنتُ من الظالمينَ فإنَّه لم يدعُ بها رجلٌ مسلمٌ في شيءٍ قطُّ إلَّا استجاب اللهُ له) صححه الألباني 💧الموسوعة القرآنية ( @ الإقرار بالذنب والاعتراف به ، من دواعي إجابة الدعاء والمغفرة. © التوحيد أعظم دعاء تتوسل به في الكربات. @ صحّ عن حذيفة -رضي الله عنه- موقوفًا عليه ": يأتي عليكم زمان لا ينجو فيه إلا من دعا دعاء الغريق" © حتى في بطن الحوت كان هناك أمل ، ونحن نفقد الأمل في أبسط ما حصل. @ في هذا الدعاء سر عجيب في تغير الحال ، فهو يجمع بين التوحيد والاعتراف بالضعف دون الله. ✋ليست له وحده عليه السلام ! {وكذلك ننجي المؤمنين﴾.)
    0
  • بسم الله الرحمن الرحيم

    عزم

    وردت مادة: (عزم) 9 مرات في القرآن الكريم.
    ومنها: (عزمت، عزماً، عزَم، عزموا، تعزموا، عزْم).

    كما في قوله تعالى: ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [آل عمران: 186].
    وقوله تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران: 159].
    وقوله تعالى: ﴿طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ [محمد: 21].

    قال أبو عبيدة: " ﴿إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [الشورى: 43] ما عزمت عليه، قال الخثعميّ:
    عزمت على إقامة ذي صباح
    لشيء ما يسوّد من يسود (1) "
    وقال الراغب الأصفهاني: " العَزْمُ والعَزِيمَةُ: عقد القلب على إمضاء الأمر، يقال: عَزَمْتُ الأمرَ، وعَزَمْتُ عليه، واعْتَزَمْتُ.
    قال: ﴿فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ [آل عمران:159]، ﴿وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ﴾ [البقرة:235]، ﴿وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ﴾ [البقرة:227]، ﴿إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [الشورى:43]، ﴿وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً﴾ [طه: 115]، أي: محافظة على ما أمر به وعَزِيمَةً على القيام. (2) "
    وقال أبو حيان: "(عزمت): صححت رأيك في إمضاء الأمر، (عزماً): رأياً. (3) "

    _______________________

    (1) مجاز القرآن: أبو عبيدة معمر بن المثنى، 2/ 201، تحقيق: د.محمد فؤاد سزكين، مكتبة الخانجي بالقاهرة.
    (2) مفردات ألفاظ القرآن: الراغب الأصفهاني، كتاب العين، مادة: (عزم)، 565، تحقيق: صفوان عدنان داودي، دار القلم، دمشق، الطبعة الخامسة، 1433 هـ - 2011م.
    (3) تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب: أبو حيان الأندلسي، 229، تحقيق: سمير المجذوب، المكتب الإسلامي، بيروت، دمشق، الطبعة الأولى، 1403 هـ - 1983 م.
    بسم الله الرحمن الرحيم عزم وردت مادة: (عزم) 9 مرات في القرآن الكريم. ومنها: (عزمت، عزماً، عزَم، عزموا، تعزموا، عزْم). كما في قوله تعالى: ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [آل عمران: 186]. وقوله تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران: 159]. وقوله تعالى: ﴿طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ [محمد: 21]. قال أبو عبيدة: " ﴿إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [الشورى: 43] ما عزمت عليه، قال الخثعميّ: عزمت على إقامة ذي صباح لشيء ما يسوّد من يسود (1) " وقال الراغب الأصفهاني: " العَزْمُ والعَزِيمَةُ: عقد القلب على إمضاء الأمر، يقال: عَزَمْتُ الأمرَ، وعَزَمْتُ عليه، واعْتَزَمْتُ. قال: ﴿فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ [آل عمران:159]، ﴿وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ﴾ [البقرة:235]، ﴿وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ﴾ [البقرة:227]، ﴿إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [الشورى:43]، ﴿وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً﴾ [طه: 115]، أي: محافظة على ما أمر به وعَزِيمَةً على القيام. (2) " وقال أبو حيان: "(عزمت): صححت رأيك في إمضاء الأمر، (عزماً): رأياً. (3) " _______________________ (1) مجاز القرآن: أبو عبيدة معمر بن المثنى، 2/ 201، تحقيق: د.محمد فؤاد سزكين، مكتبة الخانجي بالقاهرة. (2) مفردات ألفاظ القرآن: الراغب الأصفهاني، كتاب العين، مادة: (عزم)، 565، تحقيق: صفوان عدنان داودي، دار القلم، دمشق، الطبعة الخامسة، 1433 هـ - 2011م. (3) تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب: أبو حيان الأندلسي، 229، تحقيق: سمير المجذوب، المكتب الإسلامي، بيروت، دمشق، الطبعة الأولى، 1403 هـ - 1983 م.
    0
  • عبر في قصة يوسف *
    أ.د. خالد السبت

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

    فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، سمعتم في هذه القراءة المفصلة تفاصيل هذه القصة، التي هي من أحسن القصص، كما قال الله تعالى في أول هذه السورة: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ [يوسف: 3].

    وذلك يُستخرج منه: أن ذكر القصص، والأخبار، أن ذلك من أمور التربية، التي يُقوّم فيها سلوك الإنسان وبها تُستنهض الهمم الميتة، وبها تُبرز النماذج الكاملة؛ ليُؤتسى بها، ويُقتدى بها.

    ثم إذا نظرت إلى هذا القصص الذي ساقه الله تعالى في هذه الآيات وجدت الارتقاء بكل صوره، ومعانيه، وجدت الكمال، لا تجد لفظة تُعاب، حتى حينما يتكلم ربنا تعالى عن القضايا المتعلقة بالمراودة، عن القضايا التي يعجز كثير من الناس أن يعبروا عنها تعبيراً تبلغ به العبرة دون أن تتحرك الغرائز تبعاً لذلك، الله تعالى يذكر تفاصيل مهمة مما وقع من المراودة بين تلك المرأة وبين يوسف ﷺ دون أن يحرك المشاعر الخلفية التي لابد أن تتحرك عند ذكر هذه القصص في كلام الناس، ولكن الله تعالى يذكر ذلك ذكراً نزيهاً، طيباً، شريفاً، لا عوج فيه، ولا إثارة.

    ثم أيضاً أن هذا القصص التي يذكرها الله تعالى : لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى [يوسف:111] هذه القصص هي قصصٌ حقيقية، ومن هنا نعلم أن التربية تكمن في هذا الطريق أيضاً، فهو وسيلة لإصلاح النفوس، وتهذيبها، وتقويمها على طاعة الله تعالى.

    لكن تلك القصص ينبغي أن تكون حقيقية صادقة؛ ليتعلم الناس الصدق من ذلك لأول وهلة، دون أن نذكر لهم قصة مفبركة لا حقيقة لها.


    الأحداث المترابطة في ثنايا قصة يورسف تعالى​​​​​​​:
    ثم انظروا الأطوار، والأحداث المترابطة في ثنايا هذه القصة، إنها أحداث عجيبة، نحن بحاجة إلى الوقوف معها في هذه الأيام، أيام الهزيمة، الهزيمة العسكرية، والهزيمة النفسية، والهزيمة الفكرية، الهزيمة في كل الميادين، حتى صرنا نراجع مبادئنا، وثوابتنا، وعقائدنا؛ من أجل أن عدونا بدأ يلوح لنا بالقوة تارة، وبالتشويه تارة، فأصبحنا نشكك في كل شيء.

    نحن بحاجة إلى الوقوف معها في هذه الأيام، أيام الهزيمة، الهزيمة العسكرية، والهزيمة النفسية، والهزيمة الفكرية، الهزيمة في كل الميادين، حتى صرنا نراجع مبادئنا، وثوابتنا، وعقائدنا؛ من أجل أن عدونا بدأ يلوح لنا بالقوة تارة، وبالتشويه تارة، فأصبحنا نشكك في كل شيء.

    ووجد له آذاناً مصغية، حتى صرنا إلى حالٍ لا نُحسد عليها، صدقنا ما قالوه فينا، تصرفاتنا، ومراجعاتنا، وأفعالنا، نحن نعيش في هذه الأيام أمورًا عجيبة في واقع الأمة، نعيش صراعاً هائلاً بين قوى عظمى قد امتلكت أسلحة الفتك بجميع أنواعها، وقد امتلكت أبواقاً إعلامية لا يقادر قدرها، فصوبت ذلك جميعاً إلى نحر هذه الأمة، فاندحر من اندحر، وثبت من ثبت، وتشكك من تشكك، وتراجع من تراجع.
    في مثل هذا الصراع نحن بحاجة إلى أن نتأمل في تدبير الله تعالى وكيده لأوليائه، وعباده المؤمنين، انظروا إلى يوسف ﷺ كان إلقاؤه في البئر، ثم خروجه بعد ذلك إلى الرق، ثم بعد ذلك ما وقع له من المراودة، ثم ما وقع له بعد ذلك من السجن، بتهمة قذرة دنسة، ثم بعد ذلك يكون ما يكون من تلك الرؤيا التي رآها ذلك السجين، فيكون سبباً لمعرفة ما عنده من المواهب، والعلوم.

    ثم يخرج ذلك السجين، فينسى تلك الوصية من يوسف ﷺ فيرى ذلك الملك رؤيا يُذكّر بها ذلك السجين ما أوصاه به يوسف ﷺ بعد أن نسوه في السجن، فبقي بضع سنين، وهو الكريم ابن الكريم ابن الكريم - عليه الصلاة والسلام.


    رؤيا الملك كانت سبباً لخروج يوسف ﷺ:
    هذا الملك حينما رأى هذه الرؤيا، وكانت سبباً لخروج يوسف ﷺ من السجن، وكان ذلك التفسير سبباً لتجنيب تلك الأمة كارثة اقتصادية، كانت يمكن أن تذهب بالأخضر، واليابس، فانظر هذا التدبير لو أن الإنسان نظر بعقله المجرد لأول وهلة لعرف، أو لأدرك، أو تصور أن إيقاع يوسف ﷺ في كل واحدة من تلك البلايا كان ذلك كافياً في إهانته، وإسقاطه، وكسر نفسه، وهزيمته، وإقعاده عن كل شيء من المُثل، ومعالي الأمور، ولكن تدبير الله تعالى يختلف عن ذلك.


    إلقاء يوسف عليه السلام في البئر:
    الإلقاء في البئر، ثم ما حصل بعده مما ذكرتُ، مما قصه الله تعالى كان سبباً لارتقائه للعرش، هذا تدبير الله تعالى وهذا ما نؤمله، ونعرفه من ترابط الأحداث في أيامنا التي نعيشها، وإن كانت تلك الأحداث مؤلمة، إن ما يجرى - ولا أقول ذلك مبالغة في التفاؤل - نرجو أن يكون من كيد الله، وتدبيره، لإسقاط فرعون العصر، وطاغوته، إنه يُستجر ليُمرّغ، ويُضرب من كل ناحية في جسده، ثم بعد ذلك يكون مهيناً، ذليلاً، كل أحد يزدريه، وتسقط هيبته، ومنزلته، وما صنع حول نفسه من الهيلمان.


    هذه الأيام نشاهد أطرافاً من تدبير الله تعالى:​​​​​​​
    نحن في هذه الأيام نشاهد أطرافاً من هذا التدبير الذي لربما يعيش في هذه الأيام في حلقاته الوسطى، وأرجو إن طال بنا زمان أن لا ينقضي عمر الشباب منا حتى يروا هذا الطاغوت الكبير الذي ملأ الأرض فساداً، وعتوًّا حتى يروه يسقط، ويتمرّغ في الوحل، ولكن ذلك يحتاج منا إلى وثوق بمبدئنا، ويحتاج منا إلى صبر.

    الابتلاء هو الخطوة الأولى للتمكين:
    انظروا كيف قصّ الله تعالى خبر يوسف ﷺ فبقي ملازماً للتقوى في كل حالاته، كيف كان مثالاً للالتزام الصحيح في حال الرخاء، وفي حال الشدة.

    انظروا إليه حينما رأى تلك الرؤيا، فقصها على من يحب - وهو أبوه - ويثق به، وبتفسيره، وعلمه، وخبره، فكل صاحب نعمة محسود، لابد أن ينبري له أعداء، مهما حاول أن يخفي ما عنده من المواهب، والإمكانات، والعلوم فإنه لابد أن ينبري له في طريقة بعض الخصوم، والأعداء، وقد يكون هؤلاء من أقرب الناس إليه.

    انظروا إلى يوسف ﷺ كيف ابتُلي، والابتلاء هو الخطوة الأولى للتمكين.

    سئل الشافعي - رحمه الله - : هل يمكّن للإنسان قبل أن يبتلى؟ قال: "لا يُمكّن له حتى يُبتلى"[1] وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24] فمن تزعزع، وتزلزل، وتراجع عن مبادئه، وثوابته هذا لا يستحق التمكين، لا يستحق التمكين من يتشكك بالثوابت، من يتشكك في العقيدة، من يتشكك في علمائه، من يتشكك في مناهجه، من يتشكك في وحي الله تعالى هذا لا يستحق التمكين.

    انظروا إلى حال يوسف ﷺ وهذه البلايا التي تُساق إليه، وهو الكريم ابن الكريم ابن الكريم، - عليه الصلاة والسلام - ، (أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل[2] فلا تجزع إذا أصابك البلاء، ولا تتشكك حينما يتنزل هذا البلاء كالسحب السوداء المتراكمة، يتنزل على هذه الأمة، إنها تُمحّص حتى يبقي أهل الصدق، والثبات، وتكون العاقبة لهم بإذن الله تعالى في نهاية المطاف.

    انظروا إلى يوسف ﷺ يُحسد من قبل إخوته، ثم يلقى في البئر وهو صغير منذ نعومة أظفاره، بلا رحمة، ثم بعد ذلك يخرج إلى الرِّق، الكريم يُباع؟ سلالة الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - يُباع، ويُسترق، ويُستذل!، ثم انظروا بعد ذلك كيف تتزين الفتنة، فتن في البئر، وفتن في الرِّق، ثم بعد ذلك فُتن بفتنة الشهوة التي لا يثبت معها، ولا يتماسك إلا من عصمه الله تعالى راودته، راجعته في أمر تريده منه، مرة بعد مرة تحاول، ثم بعد ذلك قد أغلقت الأبواب، وهيأت له ما أرادت، وأغرته، وما ظنكم بجمالها، وهي زوجة الملك، وما ظنكم بالمنَعة التي تحصل له بمواقعة هذه المرأة، وما ظنكم بألوان الحصانة، والإغراء التي تهيأت له وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ [يوسف:23].

    التربية التي نحن أحوج ما نكون إليها في وقتنا الحاضر:
    هنا تأتي قضية التربية، التربية التي نحن أحوج ما نكون إليها في وقتنا الحاضر، أن نربي النفوس على مراقبة الله تعالى في حال الجلوة، والخلوة؛ لأننا صرنا في زمان تعرض فيه الفتن مكشرة في أحوال لا يطلّع على العبد فيها إلا الله وحده لا شريك له، مع غاية الإغراء عبر وسائل تعرفونها، فهذا يحتاج إلى تربية عظيمة، كما أنه يحتاج أيضاً إلى مراقبة لله تعالى كما يحتاج إلى صدقٍ في الفزع إليه، وصدق اللَّجأ إليه - سبحانه وتعالى - فقال - عليه الصلاة والسلام - حينما اجتمع عليه أولئك النسوة: وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ۝ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ [يوسف:33 - 34].

    فالله تعالى بين ذلك، وعلل كونه من عباده المخلصين، الإخلاص يكون سبباً لنجاة العبد، ينبغي أن يكون للعبد خبيئة من عمل صالح لا يطلع عليه الناس، ولو كان قليلاً، فيكون ذلك سبباً لتخليصه من ألوان المكاره، والمخاوف، لمّا تبدت هذه الفتنة ليوسف ﷺ لجأ إلى الله تعالى فكيف بأولئك الذين يبحثون، وينقرون؟ فكان الواحد منهم كعنز السوء تقوم بظلفها تستخرج سكيناً تُذبح بها!.


    من بحث عن الشهرة كيف له بالسلامة؟
    أولئك الذين يبحثون عن الشهوة، والفتنة، وينقرون عنها في كل مكان، كيف لهم بالسلامة؟! ومن عرّض نفسه للفتنة أولاً لم ينجُ منها آخراً، فالعبد يبتعد ويستريح قلبه، فإذا ابتُلي عليه أن يتذكر الله، وعليه أن يعتصم به، ويدعو ربه أن يخلصه من هذه الكروب، والمخاوف.

    كيف استحبّ يوسف ﷺ لسجن على مقارفة الفواحش؟
    انظروا إلى يوسف ﷺ كيف استحبّ السجن على مقارفة هذه الفواحش.

    ثم انظر كيف هذه الآيات تعطينا معنى تربويًّا مهماً، وهو أن مشاهدة النساء للرجال الذين يمتلئون نضارة، وحيوية، وشباباً، أن ذلك مظنّة للفتنة، ولو كان أولئك الرجال من الصالحين، هذا ملحظ مهم.

    كيف إذا كان أولئك الرجال ممن يجلس نصف نهار يضع ألوان المكياج على وجهه، ثم يخرج ليقدم نشرة للأخبار، أو يقدم برنامجاً في إحدى هذه الفضائيات؟ بل كيف إذا كان الذي يخرج امرأة ينظر إليها الرجال؟ فأقول: النساء لربما تُفتن الواحدة بما تسمع، بنبرة صوت الرجل، بنبرة صوته، كيف إذا رأته؟ هذا الداعية الذي يعلو المنابر، وتسمعه النساء عشرات السنين، ثم بعد ذلك تراه وقد كانت تتخيل صورة معينة، فيبدو لها وقد امتلأ شباباً، ونضارة، لا يُؤمن معها أن تحصل فتنة لبعض النساء.

    ولذلك من كان بهذه المثابة من الحسن، والبهاء، وأعطاه الله نضارة، وشباباً، فينبغي أن يتوقى مثل هذه المواقع التي يكون فيها سبباً لفتنة غيره.


    قصة يوسف عليه السلام تنبهنا كيف نربي نساءنا:
    كما أنه ينبهنا كيف نربي نساءنا، فلا يترك الواحد امرأته وبناته أمام الشاشات، ينظرن إلى الرجال، وقد ظهروا بأحسن حُلتّهم، ولو كان هؤلاء في غاية الصلاح، فالواحد قد خضب لحيته، وظهر في صورة من النضارة والشباب، وتزين غاية الزينة، هذا أمر قد يأسر بعض النفوس.

    أولئك النساء كنّ يعبن امرأة العزيز، فتقول الواحدة: امْرَأَتُ العَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ [يوسف:30 - 31] ماذا فعلت؟ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ [يوسف:31] فأعجبن به، فأسرهن جماله، ولهذا قال بعد ذلك: إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ [يوسف:51].

    فصار ذلك الفعل مشتركاً بينهن وبين امرأة العزيز، تحولن من منكرات على امرأة العزيز إلى مشاركات لها في هذا الفعل، فهذه قضية مهمة.


    كيف تصرف العزيز مع امرأته؟
    وأمر آخر، انظروا إلى ما وقع ليوسف ﷺ مع هذا العزيز، انظروا كيف يؤثر ذهاب الغيرة، لما ثبتت براءة يوسف ﷺ ماذا فعل هذا الرجل لامرأته؟ قال: يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَيوسف:29 فقط! لم يحرك ساكناً، ولم يبعده عنها، بل أبقاه في بيتها، ثم أخرجته إلى أولئك النسوة، وما زالت مصرة على مراودته: وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ [يوسف:32] فانظروا كيف يكون ذهاب الغيرة مؤثراً في نفوس أولئك أشباه الرجال.


    إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ:
    ثم انظروا ما ذكره الله بعد ذلك، حينما دخل يوسف ﷺ إلى السجن، لمّا رأى رفيقاه في السجن تلك الرؤيا عرضوها على يوسف، وقالوا: إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف:36].

    عرفوا إحسان يوسف ﷺ وهو في السجن، لم يجلس ليحدثهم عن نفسه، رأوا إحسانه بالسجناء، ورأوا إحسانه إلى السجّانين، ورأوا إحسانه مع الله  في العبودية، وإقامتها، والتقرب إلى ربه، ومالكه، ومعبوده تعالى فعرفوا إحسان يوسف ﷺ وهكذا ينبغي أن يكون المؤمن الداعية في كل أحواله؛ في حال السجن، وفي وسط البئر، وفي حال الملك، وفي جميع أحواله يكون محسناً، ما رد هؤلاء، وقال: لا شأن لي بكم، ثم انظر كيف دعاهم إلى الله تعالى واستغل الفرصة: أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّار [يوسف:39] لم يتخلَّ عن مبادئه، ولم يجزع، ولم تنكسر نفسه، وتنثنِ إرادته، فيتثبط عن دعوته، لا، لا زال ينشر هذه الدعوة في كل مكان.

    ولهذا نجد شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - يقول: "ما يصنع بي أعدائي، إن سجني خلوة، وإخراجي من بلدي سياحة، وقتلي شهادة"[3] يقول: "إن جنتي وبستاني في صدري"، ماذا يُصنع بمثل هذا؟.

    فلما وضعوه في السجن تحول أهل السجن من أهل بطالة إلى أهل اشتغال بالعلم والعبادة، فاضطروا إلى إخراجه من السجن؛ لئلا يفسده بزعمهم!، هكذا يفعل الداعية في كل الأحوال.

    فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ:
    ثم انظر بعد ذلك لما خرج ذلك الرجل من السجن، ونسي وصية يوسف: اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ [يوسف:42] كيف يبقى يوسف ﷺ وفي تهمة تتعلق بالأخلاق، يبقى في السجن بضع سنين؟.

    أقول: إنه إعداد من الله تعالى لهؤلاء الكبار لقيادة الأمم، وتخليصها، لا تدركه عقول البشر، كيف تبقى طاقة كطاقة يوسف ﷺ منسية في الحبس؟ كيف يبقى موسى ﷺ في الصحراء، في مدين يرعى الغنم عشر سنين، شريداً، طريداً يرعى الغنم عشر سنين في مقابل بُضع امرأة تزوجها على رعي الغنم، ذلك قبل أن يُنبأ، ولكنه لا شك أنه أفضل أهل زمانه - عليه الصلاة والسلام - فالله يصطفي الأنبياء من خيار الناس، يبقى تلك المدة الطويلة عشر سنين، إنه إعداد الله لأوليائه، وأهل كرامته، فهذا لا يدخل تحت المقاييس البشرية.

    ولذلك أقول: ينبغي أن نثق بالله تعالى وبتدبيره، وبكيده لأوليائه كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ [يوسف:76].


    ما قال: أخرجني من البئر:
    انظر كيف كانت هذه الرؤيا - رؤيا الملك - سبباً لخروج يوسف ﷺ من السجن، ثم إلى المُلك، فإنه ذكرها حينما ذكر نعمة الله تعالى عليه، حينما قال: وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ [يوسف:100] ما قال: أخرجني من البئر؛ لأنه خرج من البئر إلى الرّق، وخرج من السجن إلى المُلك، فانظروا إلى هذا التدبير من الله تعالى ثم انظروا كيف فسّر يوسف ﷺ هذه الرؤيا الخطيرة لذلك الملك، ما قال: أنتم ظلمتموني وفي تهمة قذرة دنسة، ولطختم سمعتي، وسجنتموني عدواناً، كيف أفسّر لكم هذا التفسير الذي يكون فيه المخرج، والخلاص بإذن الله تعالى من ورطة تنتظركم؟ ما قال لهم هذا الكلام؛ لأنه من المحسنين، لا يعرف تصفية الحسابات، لا يعرف الأحقاد، بينه وبين هذا مشكلة، والثالث مشكلة، والرابع مشكلة، والخامس ما زاره في المستشفى، والسادس ما عزاه، والسابع قال كلمة في حقه، والثامن؛ لأنه ما قام له حينما سلم عليه، وقد قام لغيره، إلى غير ذلك مما يتمرّغ به أصحاب النفوس الحقيرة، الدنية، الصغيرة.

    يوسف ﷺ كبير، ونفسه كبيرة، تتسع للجميع، تأتي الرؤيا من الملك، ويفسّرها، تأتي الرؤيا من هذا المسجون، ويفسّرها، ويحسن إلى الجميع كالمطر.

    انظروا إلى كلام يوسف عليه السلام مع إخوته:
    ولذلك أقول: انظروا إلى انضباط يوسف في كل هذه الأحوال، انظروا إلى كلامه مع إخوته، حينما دارت الأيام، فجاءوا إليه، وقدّر الله  أن تكون حاجتهم عنده، فجاءوا إليه في غاية الحاجة، والمسكنة، والذل، والصغار، فما آذاهم حتى حينما قالوا: إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ [يوسف:77] لم يشنّع عليهم، وإنما قال: أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا [يوسف:77] ولم يكاشرهم بذلك، بل أسرها في نفسه، أخفاها عنهم؛ لئلا يجرح مشاعرهم، ثم انظر إليهم حينما جاءوا إليه بعدما عرفوه: قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي [يوسف:90] فقالوا له: استغفر لنا، فلما طلبوا منه الاستغفار، واعترفوا بخطئهم، وتقصيرهم لم يؤنّب، ولم يعنّف، بل قال: لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ [يوسف:92] لم يذكِّرهم بأفعالهم السيئة، ثم بعد ذلك لما جاءوا مع أبيهم خروا له سجداً: وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ [يوسف:100] إلى أن قال: بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي [يوسف:100] لم يجرح مشاعرهم، ويذكِّرهم بذلك الفعل السيئ.

    تصور لو أن أحداً من قرابتك، أو من جيرانك، أو من زملائك في العمل أساء إليك بعشر معشار هذه الإساءات، كيف تصنع معه؟ كيف تتصرف؟ إن الكثيرين يعقدون عداوته أبد الدهر، ولا يقبلون فيه صرفاً، ولا عدلا، ولا عذراً لمعتذر، لماذا؟ لأننا لا نحمل نفوساً كبيرة كنفس يوسف.

    لماذا كان الكريمَ ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم؟ فلنحلق عالياً، ولنترفع عن هذه المدنّسات، والأوحال التي تذلنا، وتهيننا، وتقعدنا عن طاعة الله تعالى فتعتلج الأحقاد في القلب، فالإنسان يصلي، ويتذكر ما فعل به فلان، وما قال له فلان، وما قصد فلان بالكلمة الفلانية، ترفَّعْ عن مثل هذه الأمور، فإن الأحقاد أول من يُعذب بها صاحبُها، لا ينام الليل يتقلب على فراشه، ينعصر قلبه، يتمنى أن يتشفى من فلان، وفلان، وفلان لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ [يوسف:92] لم يطلب منهم العذر، ولم ينتظر منهم أي شيء من الإحسان.

    وهذه عِبر كبار ينبغي أن نقف عندها، وأن نثق بما عند الله تعالى ونعلم أن العاقبة للمتقين، وإن طالت الليالي المظلمة السوداء، ونعرف أن البلاء على قدر ما عند الإنسان من الإيمان، فالله لا يبتلي العبد من أجل أن يكسره، وإنما من أجل أن يرفعه، فثِقْ بما عند الله تعالى ولا تنكسر أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى الرجل على قدر دينه[4].

    لكن من لطف الله تعالى أنه إن كان في دينه رقة خُفف عنه، فمن الناس من يكون بلاؤه في أمور تافهة حقيرة، بلاؤه أن هذا قال له كُليمة، وذلك تصرف أمامه تصرفاً غير لائق، وأخرى تصيح، وتلطم خدها، وتنتف شعرها؛ لأن أطفالها الصغار يتهارشون حولها، فهذا هو حظها من البلاء، وآخر بلاؤه في دريهمات فقدها، وآخر بلاؤه في مشكلة بينه وبين مؤذن المسجد، والثالث مشكلته ومصيبته العظمى هي في قضية بينه وبين أحد تلامذته، قال التلميذ كلمة في الفصل فجعلها قضية القضايا، كل إنسان على قدر نفسه يُعطى من البلاء، ومن الناس من يُصب عليهم البلاء صبًّا، فتنة الضراء، وفتنة السراء.

    فنسأل الله تعالى أن يلطف بنا جميعاً، وأن يلهمنا وإياكم رشدنا، وأن ينفعنا بالقرآن العظيم، وأن يجعله حجة لنا لا حجة علينا، وأن يرحم موتانا، ويشفي مرضانا، ويعافي مبتلانا، وأن يجعل آخرتنا خيرًا من دنيانا، ونسأله - تبارك وتعالى - أن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يعيننا وإياكم في هذا الشهر الكريم على أنفسنا، فنسأله - تبارك وتعالى - أن يرفعنا، ولا يضعنا، وأن يغفر لنا، ولوالدينا، ولإخواننا المسلمين.

    نسأل الله أن يغفر لنا ولكم أجمعين، وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    * موقع أ. د. خالد السبت: (https://2u.pw/s8BwJ).
    [1] الفوائد لابن القيم: (1/208).
    [2] أخرجه الترمذي، كتاب الزهد، باب الصبر على الأذى، رقم: (2398) وابن ماجه، كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء، رقم: (4023)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، رقم: (3249).
    [3] المستدرك على مجموع الفتاوى: (1 / 153).
    [4] أخرجه الترمذي، كتاب الزهد، باب الصبر على الأذى، رقم: (2398) وابن ماجه، كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء، رقم: (4023)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، رقم: (3249).
    عبر في قصة يوسف * أ.د. خالد السبت الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، سمعتم في هذه القراءة المفصلة تفاصيل هذه القصة، التي هي من أحسن القصص، كما قال الله تعالى في أول هذه السورة: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ [يوسف: 3]. وذلك يُستخرج منه: أن ذكر القصص، والأخبار، أن ذلك من أمور التربية، التي يُقوّم فيها سلوك الإنسان وبها تُستنهض الهمم الميتة، وبها تُبرز النماذج الكاملة؛ ليُؤتسى بها، ويُقتدى بها. ثم إذا نظرت إلى هذا القصص الذي ساقه الله تعالى في هذه الآيات وجدت الارتقاء بكل صوره، ومعانيه، وجدت الكمال، لا تجد لفظة تُعاب، حتى حينما يتكلم ربنا تعالى عن القضايا المتعلقة بالمراودة، عن القضايا التي يعجز كثير من الناس أن يعبروا عنها تعبيراً تبلغ به العبرة دون أن تتحرك الغرائز تبعاً لذلك، الله تعالى يذكر تفاصيل مهمة مما وقع من المراودة بين تلك المرأة وبين يوسف ﷺ دون أن يحرك المشاعر الخلفية التي لابد أن تتحرك عند ذكر هذه القصص في كلام الناس، ولكن الله تعالى يذكر ذلك ذكراً نزيهاً، طيباً، شريفاً، لا عوج فيه، ولا إثارة. ثم أيضاً أن هذا القصص التي يذكرها الله تعالى : لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى [يوسف:111] هذه القصص هي قصصٌ حقيقية، ومن هنا نعلم أن التربية تكمن في هذا الطريق أيضاً، فهو وسيلة لإصلاح النفوس، وتهذيبها، وتقويمها على طاعة الله تعالى. لكن تلك القصص ينبغي أن تكون حقيقية صادقة؛ ليتعلم الناس الصدق من ذلك لأول وهلة، دون أن نذكر لهم قصة مفبركة لا حقيقة لها. الأحداث المترابطة في ثنايا قصة يورسف تعالى​​​​​​​: ثم انظروا الأطوار، والأحداث المترابطة في ثنايا هذه القصة، إنها أحداث عجيبة، نحن بحاجة إلى الوقوف معها في هذه الأيام، أيام الهزيمة، الهزيمة العسكرية، والهزيمة النفسية، والهزيمة الفكرية، الهزيمة في كل الميادين، حتى صرنا نراجع مبادئنا، وثوابتنا، وعقائدنا؛ من أجل أن عدونا بدأ يلوح لنا بالقوة تارة، وبالتشويه تارة، فأصبحنا نشكك في كل شيء. نحن بحاجة إلى الوقوف معها في هذه الأيام، أيام الهزيمة، الهزيمة العسكرية، والهزيمة النفسية، والهزيمة الفكرية، الهزيمة في كل الميادين، حتى صرنا نراجع مبادئنا، وثوابتنا، وعقائدنا؛ من أجل أن عدونا بدأ يلوح لنا بالقوة تارة، وبالتشويه تارة، فأصبحنا نشكك في كل شيء. ووجد له آذاناً مصغية، حتى صرنا إلى حالٍ لا نُحسد عليها، صدقنا ما قالوه فينا، تصرفاتنا، ومراجعاتنا، وأفعالنا، نحن نعيش في هذه الأيام أمورًا عجيبة في واقع الأمة، نعيش صراعاً هائلاً بين قوى عظمى قد امتلكت أسلحة الفتك بجميع أنواعها، وقد امتلكت أبواقاً إعلامية لا يقادر قدرها، فصوبت ذلك جميعاً إلى نحر هذه الأمة، فاندحر من اندحر، وثبت من ثبت، وتشكك من تشكك، وتراجع من تراجع. في مثل هذا الصراع نحن بحاجة إلى أن نتأمل في تدبير الله تعالى وكيده لأوليائه، وعباده المؤمنين، انظروا إلى يوسف ﷺ كان إلقاؤه في البئر، ثم خروجه بعد ذلك إلى الرق، ثم بعد ذلك ما وقع له من المراودة، ثم ما وقع له بعد ذلك من السجن، بتهمة قذرة دنسة، ثم بعد ذلك يكون ما يكون من تلك الرؤيا التي رآها ذلك السجين، فيكون سبباً لمعرفة ما عنده من المواهب، والعلوم. ثم يخرج ذلك السجين، فينسى تلك الوصية من يوسف ﷺ فيرى ذلك الملك رؤيا يُذكّر بها ذلك السجين ما أوصاه به يوسف ﷺ بعد أن نسوه في السجن، فبقي بضع سنين، وهو الكريم ابن الكريم ابن الكريم - عليه الصلاة والسلام. رؤيا الملك كانت سبباً لخروج يوسف ﷺ: هذا الملك حينما رأى هذه الرؤيا، وكانت سبباً لخروج يوسف ﷺ من السجن، وكان ذلك التفسير سبباً لتجنيب تلك الأمة كارثة اقتصادية، كانت يمكن أن تذهب بالأخضر، واليابس، فانظر هذا التدبير لو أن الإنسان نظر بعقله المجرد لأول وهلة لعرف، أو لأدرك، أو تصور أن إيقاع يوسف ﷺ في كل واحدة من تلك البلايا كان ذلك كافياً في إهانته، وإسقاطه، وكسر نفسه، وهزيمته، وإقعاده عن كل شيء من المُثل، ومعالي الأمور، ولكن تدبير الله تعالى يختلف عن ذلك. إلقاء يوسف عليه السلام في البئر: الإلقاء في البئر، ثم ما حصل بعده مما ذكرتُ، مما قصه الله تعالى كان سبباً لارتقائه للعرش، هذا تدبير الله تعالى وهذا ما نؤمله، ونعرفه من ترابط الأحداث في أيامنا التي نعيشها، وإن كانت تلك الأحداث مؤلمة، إن ما يجرى - ولا أقول ذلك مبالغة في التفاؤل - نرجو أن يكون من كيد الله، وتدبيره، لإسقاط فرعون العصر، وطاغوته، إنه يُستجر ليُمرّغ، ويُضرب من كل ناحية في جسده، ثم بعد ذلك يكون مهيناً، ذليلاً، كل أحد يزدريه، وتسقط هيبته، ومنزلته، وما صنع حول نفسه من الهيلمان. هذه الأيام نشاهد أطرافاً من تدبير الله تعالى:​​​​​​​ نحن في هذه الأيام نشاهد أطرافاً من هذا التدبير الذي لربما يعيش في هذه الأيام في حلقاته الوسطى، وأرجو إن طال بنا زمان أن لا ينقضي عمر الشباب منا حتى يروا هذا الطاغوت الكبير الذي ملأ الأرض فساداً، وعتوًّا حتى يروه يسقط، ويتمرّغ في الوحل، ولكن ذلك يحتاج منا إلى وثوق بمبدئنا، ويحتاج منا إلى صبر. الابتلاء هو الخطوة الأولى للتمكين: انظروا كيف قصّ الله تعالى خبر يوسف ﷺ فبقي ملازماً للتقوى في كل حالاته، كيف كان مثالاً للالتزام الصحيح في حال الرخاء، وفي حال الشدة. انظروا إليه حينما رأى تلك الرؤيا، فقصها على من يحب - وهو أبوه - ويثق به، وبتفسيره، وعلمه، وخبره، فكل صاحب نعمة محسود، لابد أن ينبري له أعداء، مهما حاول أن يخفي ما عنده من المواهب، والإمكانات، والعلوم فإنه لابد أن ينبري له في طريقة بعض الخصوم، والأعداء، وقد يكون هؤلاء من أقرب الناس إليه. انظروا إلى يوسف ﷺ كيف ابتُلي، والابتلاء هو الخطوة الأولى للتمكين. سئل الشافعي - رحمه الله - : هل يمكّن للإنسان قبل أن يبتلى؟ قال: "لا يُمكّن له حتى يُبتلى"[1] وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24] فمن تزعزع، وتزلزل، وتراجع عن مبادئه، وثوابته هذا لا يستحق التمكين، لا يستحق التمكين من يتشكك بالثوابت، من يتشكك في العقيدة، من يتشكك في علمائه، من يتشكك في مناهجه، من يتشكك في وحي الله تعالى هذا لا يستحق التمكين. انظروا إلى حال يوسف ﷺ وهذه البلايا التي تُساق إليه، وهو الكريم ابن الكريم ابن الكريم، - عليه الصلاة والسلام - ، (أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل[2] فلا تجزع إذا أصابك البلاء، ولا تتشكك حينما يتنزل هذا البلاء كالسحب السوداء المتراكمة، يتنزل على هذه الأمة، إنها تُمحّص حتى يبقي أهل الصدق، والثبات، وتكون العاقبة لهم بإذن الله تعالى في نهاية المطاف. انظروا إلى يوسف ﷺ يُحسد من قبل إخوته، ثم يلقى في البئر وهو صغير منذ نعومة أظفاره، بلا رحمة، ثم بعد ذلك يخرج إلى الرِّق، الكريم يُباع؟ سلالة الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - يُباع، ويُسترق، ويُستذل!، ثم انظروا بعد ذلك كيف تتزين الفتنة، فتن في البئر، وفتن في الرِّق، ثم بعد ذلك فُتن بفتنة الشهوة التي لا يثبت معها، ولا يتماسك إلا من عصمه الله تعالى راودته، راجعته في أمر تريده منه، مرة بعد مرة تحاول، ثم بعد ذلك قد أغلقت الأبواب، وهيأت له ما أرادت، وأغرته، وما ظنكم بجمالها، وهي زوجة الملك، وما ظنكم بالمنَعة التي تحصل له بمواقعة هذه المرأة، وما ظنكم بألوان الحصانة، والإغراء التي تهيأت له وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ [يوسف:23]. التربية التي نحن أحوج ما نكون إليها في وقتنا الحاضر: هنا تأتي قضية التربية، التربية التي نحن أحوج ما نكون إليها في وقتنا الحاضر، أن نربي النفوس على مراقبة الله تعالى في حال الجلوة، والخلوة؛ لأننا صرنا في زمان تعرض فيه الفتن مكشرة في أحوال لا يطلّع على العبد فيها إلا الله وحده لا شريك له، مع غاية الإغراء عبر وسائل تعرفونها، فهذا يحتاج إلى تربية عظيمة، كما أنه يحتاج أيضاً إلى مراقبة لله تعالى كما يحتاج إلى صدقٍ في الفزع إليه، وصدق اللَّجأ إليه - سبحانه وتعالى - فقال - عليه الصلاة والسلام - حينما اجتمع عليه أولئك النسوة: وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ۝ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ [يوسف:33 - 34]. فالله تعالى بين ذلك، وعلل كونه من عباده المخلصين، الإخلاص يكون سبباً لنجاة العبد، ينبغي أن يكون للعبد خبيئة من عمل صالح لا يطلع عليه الناس، ولو كان قليلاً، فيكون ذلك سبباً لتخليصه من ألوان المكاره، والمخاوف، لمّا تبدت هذه الفتنة ليوسف ﷺ لجأ إلى الله تعالى فكيف بأولئك الذين يبحثون، وينقرون؟ فكان الواحد منهم كعنز السوء تقوم بظلفها تستخرج سكيناً تُذبح بها!. من بحث عن الشهرة كيف له بالسلامة؟ أولئك الذين يبحثون عن الشهوة، والفتنة، وينقرون عنها في كل مكان، كيف لهم بالسلامة؟! ومن عرّض نفسه للفتنة أولاً لم ينجُ منها آخراً، فالعبد يبتعد ويستريح قلبه، فإذا ابتُلي عليه أن يتذكر الله، وعليه أن يعتصم به، ويدعو ربه أن يخلصه من هذه الكروب، والمخاوف. كيف استحبّ يوسف ﷺ لسجن على مقارفة الفواحش؟ انظروا إلى يوسف ﷺ كيف استحبّ السجن على مقارفة هذه الفواحش. ثم انظر كيف هذه الآيات تعطينا معنى تربويًّا مهماً، وهو أن مشاهدة النساء للرجال الذين يمتلئون نضارة، وحيوية، وشباباً، أن ذلك مظنّة للفتنة، ولو كان أولئك الرجال من الصالحين، هذا ملحظ مهم. كيف إذا كان أولئك الرجال ممن يجلس نصف نهار يضع ألوان المكياج على وجهه، ثم يخرج ليقدم نشرة للأخبار، أو يقدم برنامجاً في إحدى هذه الفضائيات؟ بل كيف إذا كان الذي يخرج امرأة ينظر إليها الرجال؟ فأقول: النساء لربما تُفتن الواحدة بما تسمع، بنبرة صوت الرجل، بنبرة صوته، كيف إذا رأته؟ هذا الداعية الذي يعلو المنابر، وتسمعه النساء عشرات السنين، ثم بعد ذلك تراه وقد كانت تتخيل صورة معينة، فيبدو لها وقد امتلأ شباباً، ونضارة، لا يُؤمن معها أن تحصل فتنة لبعض النساء. ولذلك من كان بهذه المثابة من الحسن، والبهاء، وأعطاه الله نضارة، وشباباً، فينبغي أن يتوقى مثل هذه المواقع التي يكون فيها سبباً لفتنة غيره. قصة يوسف عليه السلام تنبهنا كيف نربي نساءنا: كما أنه ينبهنا كيف نربي نساءنا، فلا يترك الواحد امرأته وبناته أمام الشاشات، ينظرن إلى الرجال، وقد ظهروا بأحسن حُلتّهم، ولو كان هؤلاء في غاية الصلاح، فالواحد قد خضب لحيته، وظهر في صورة من النضارة والشباب، وتزين غاية الزينة، هذا أمر قد يأسر بعض النفوس. أولئك النساء كنّ يعبن امرأة العزيز، فتقول الواحدة: امْرَأَتُ العَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ [يوسف:30 - 31] ماذا فعلت؟ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ [يوسف:31] فأعجبن به، فأسرهن جماله، ولهذا قال بعد ذلك: إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ [يوسف:51]. فصار ذلك الفعل مشتركاً بينهن وبين امرأة العزيز، تحولن من منكرات على امرأة العزيز إلى مشاركات لها في هذا الفعل، فهذه قضية مهمة. كيف تصرف العزيز مع امرأته؟ وأمر آخر، انظروا إلى ما وقع ليوسف ﷺ مع هذا العزيز، انظروا كيف يؤثر ذهاب الغيرة، لما ثبتت براءة يوسف ﷺ ماذا فعل هذا الرجل لامرأته؟ قال: يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَيوسف:29 فقط! لم يحرك ساكناً، ولم يبعده عنها، بل أبقاه في بيتها، ثم أخرجته إلى أولئك النسوة، وما زالت مصرة على مراودته: وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ [يوسف:32] فانظروا كيف يكون ذهاب الغيرة مؤثراً في نفوس أولئك أشباه الرجال. إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ: ثم انظروا ما ذكره الله بعد ذلك، حينما دخل يوسف ﷺ إلى السجن، لمّا رأى رفيقاه في السجن تلك الرؤيا عرضوها على يوسف، وقالوا: إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف:36]. عرفوا إحسان يوسف ﷺ وهو في السجن، لم يجلس ليحدثهم عن نفسه، رأوا إحسانه بالسجناء، ورأوا إحسانه إلى السجّانين، ورأوا إحسانه مع الله  في العبودية، وإقامتها، والتقرب إلى ربه، ومالكه، ومعبوده تعالى فعرفوا إحسان يوسف ﷺ وهكذا ينبغي أن يكون المؤمن الداعية في كل أحواله؛ في حال السجن، وفي وسط البئر، وفي حال الملك، وفي جميع أحواله يكون محسناً، ما رد هؤلاء، وقال: لا شأن لي بكم، ثم انظر كيف دعاهم إلى الله تعالى واستغل الفرصة: أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّار [يوسف:39] لم يتخلَّ عن مبادئه، ولم يجزع، ولم تنكسر نفسه، وتنثنِ إرادته، فيتثبط عن دعوته، لا، لا زال ينشر هذه الدعوة في كل مكان. ولهذا نجد شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - يقول: "ما يصنع بي أعدائي، إن سجني خلوة، وإخراجي من بلدي سياحة، وقتلي شهادة"[3] يقول: "إن جنتي وبستاني في صدري"، ماذا يُصنع بمثل هذا؟. فلما وضعوه في السجن تحول أهل السجن من أهل بطالة إلى أهل اشتغال بالعلم والعبادة، فاضطروا إلى إخراجه من السجن؛ لئلا يفسده بزعمهم!، هكذا يفعل الداعية في كل الأحوال. فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ: ثم انظر بعد ذلك لما خرج ذلك الرجل من السجن، ونسي وصية يوسف: اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ [يوسف:42] كيف يبقى يوسف ﷺ وفي تهمة تتعلق بالأخلاق، يبقى في السجن بضع سنين؟. أقول: إنه إعداد من الله تعالى لهؤلاء الكبار لقيادة الأمم، وتخليصها، لا تدركه عقول البشر، كيف تبقى طاقة كطاقة يوسف ﷺ منسية في الحبس؟ كيف يبقى موسى ﷺ في الصحراء، في مدين يرعى الغنم عشر سنين، شريداً، طريداً يرعى الغنم عشر سنين في مقابل بُضع امرأة تزوجها على رعي الغنم، ذلك قبل أن يُنبأ، ولكنه لا شك أنه أفضل أهل زمانه - عليه الصلاة والسلام - فالله يصطفي الأنبياء من خيار الناس، يبقى تلك المدة الطويلة عشر سنين، إنه إعداد الله لأوليائه، وأهل كرامته، فهذا لا يدخل تحت المقاييس البشرية. ولذلك أقول: ينبغي أن نثق بالله تعالى وبتدبيره، وبكيده لأوليائه كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ [يوسف:76]. ما قال: أخرجني من البئر: انظر كيف كانت هذه الرؤيا - رؤيا الملك - سبباً لخروج يوسف ﷺ من السجن، ثم إلى المُلك، فإنه ذكرها حينما ذكر نعمة الله تعالى عليه، حينما قال: وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ [يوسف:100] ما قال: أخرجني من البئر؛ لأنه خرج من البئر إلى الرّق، وخرج من السجن إلى المُلك، فانظروا إلى هذا التدبير من الله تعالى ثم انظروا كيف فسّر يوسف ﷺ هذه الرؤيا الخطيرة لذلك الملك، ما قال: أنتم ظلمتموني وفي تهمة قذرة دنسة، ولطختم سمعتي، وسجنتموني عدواناً، كيف أفسّر لكم هذا التفسير الذي يكون فيه المخرج، والخلاص بإذن الله تعالى من ورطة تنتظركم؟ ما قال لهم هذا الكلام؛ لأنه من المحسنين، لا يعرف تصفية الحسابات، لا يعرف الأحقاد، بينه وبين هذا مشكلة، والثالث مشكلة، والرابع مشكلة، والخامس ما زاره في المستشفى، والسادس ما عزاه، والسابع قال كلمة في حقه، والثامن؛ لأنه ما قام له حينما سلم عليه، وقد قام لغيره، إلى غير ذلك مما يتمرّغ به أصحاب النفوس الحقيرة، الدنية، الصغيرة. يوسف ﷺ كبير، ونفسه كبيرة، تتسع للجميع، تأتي الرؤيا من الملك، ويفسّرها، تأتي الرؤيا من هذا المسجون، ويفسّرها، ويحسن إلى الجميع كالمطر. انظروا إلى كلام يوسف عليه السلام مع إخوته: ولذلك أقول: انظروا إلى انضباط يوسف في كل هذه الأحوال، انظروا إلى كلامه مع إخوته، حينما دارت الأيام، فجاءوا إليه، وقدّر الله  أن تكون حاجتهم عنده، فجاءوا إليه في غاية الحاجة، والمسكنة، والذل، والصغار، فما آذاهم حتى حينما قالوا: إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ [يوسف:77] لم يشنّع عليهم، وإنما قال: أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا [يوسف:77] ولم يكاشرهم بذلك، بل أسرها في نفسه، أخفاها عنهم؛ لئلا يجرح مشاعرهم، ثم انظر إليهم حينما جاءوا إليه بعدما عرفوه: قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي [يوسف:90] فقالوا له: استغفر لنا، فلما طلبوا منه الاستغفار، واعترفوا بخطئهم، وتقصيرهم لم يؤنّب، ولم يعنّف، بل قال: لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ [يوسف:92] لم يذكِّرهم بأفعالهم السيئة، ثم بعد ذلك لما جاءوا مع أبيهم خروا له سجداً: وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ [يوسف:100] إلى أن قال: بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي [يوسف:100] لم يجرح مشاعرهم، ويذكِّرهم بذلك الفعل السيئ. تصور لو أن أحداً من قرابتك، أو من جيرانك، أو من زملائك في العمل أساء إليك بعشر معشار هذه الإساءات، كيف تصنع معه؟ كيف تتصرف؟ إن الكثيرين يعقدون عداوته أبد الدهر، ولا يقبلون فيه صرفاً، ولا عدلا، ولا عذراً لمعتذر، لماذا؟ لأننا لا نحمل نفوساً كبيرة كنفس يوسف. لماذا كان الكريمَ ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم؟ فلنحلق عالياً، ولنترفع عن هذه المدنّسات، والأوحال التي تذلنا، وتهيننا، وتقعدنا عن طاعة الله تعالى فتعتلج الأحقاد في القلب، فالإنسان يصلي، ويتذكر ما فعل به فلان، وما قال له فلان، وما قصد فلان بالكلمة الفلانية، ترفَّعْ عن مثل هذه الأمور، فإن الأحقاد أول من يُعذب بها صاحبُها، لا ينام الليل يتقلب على فراشه، ينعصر قلبه، يتمنى أن يتشفى من فلان، وفلان، وفلان لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ [يوسف:92] لم يطلب منهم العذر، ولم ينتظر منهم أي شيء من الإحسان. وهذه عِبر كبار ينبغي أن نقف عندها، وأن نثق بما عند الله تعالى ونعلم أن العاقبة للمتقين، وإن طالت الليالي المظلمة السوداء، ونعرف أن البلاء على قدر ما عند الإنسان من الإيمان، فالله لا يبتلي العبد من أجل أن يكسره، وإنما من أجل أن يرفعه، فثِقْ بما عند الله تعالى ولا تنكسر أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى الرجل على قدر دينه[4]. لكن من لطف الله تعالى أنه إن كان في دينه رقة خُفف عنه، فمن الناس من يكون بلاؤه في أمور تافهة حقيرة، بلاؤه أن هذا قال له كُليمة، وذلك تصرف أمامه تصرفاً غير لائق، وأخرى تصيح، وتلطم خدها، وتنتف شعرها؛ لأن أطفالها الصغار يتهارشون حولها، فهذا هو حظها من البلاء، وآخر بلاؤه في دريهمات فقدها، وآخر بلاؤه في مشكلة بينه وبين مؤذن المسجد، والثالث مشكلته ومصيبته العظمى هي في قضية بينه وبين أحد تلامذته، قال التلميذ كلمة في الفصل فجعلها قضية القضايا، كل إنسان على قدر نفسه يُعطى من البلاء، ومن الناس من يُصب عليهم البلاء صبًّا، فتنة الضراء، وفتنة السراء. فنسأل الله تعالى أن يلطف بنا جميعاً، وأن يلهمنا وإياكم رشدنا، وأن ينفعنا بالقرآن العظيم، وأن يجعله حجة لنا لا حجة علينا، وأن يرحم موتانا، ويشفي مرضانا، ويعافي مبتلانا، وأن يجعل آخرتنا خيرًا من دنيانا، ونسأله - تبارك وتعالى - أن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يعيننا وإياكم في هذا الشهر الكريم على أنفسنا، فنسأله - تبارك وتعالى - أن يرفعنا، ولا يضعنا، وأن يغفر لنا، ولوالدينا، ولإخواننا المسلمين. نسأل الله أن يغفر لنا ولكم أجمعين، وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * موقع أ. د. خالد السبت: (https://2u.pw/s8BwJ). [1] الفوائد لابن القيم: (1/208). [2] أخرجه الترمذي، كتاب الزهد، باب الصبر على الأذى، رقم: (2398) وابن ماجه، كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء، رقم: (4023)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، رقم: (3249). [3] المستدرك على مجموع الفتاوى: (1 / 153). [4] أخرجه الترمذي، كتاب الزهد، باب الصبر على الأذى، رقم: (2398) وابن ماجه، كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء، رقم: (4023)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، رقم: (3249).
    0
  • كيف نقرأ النون الصغيرة في كلمة (ننجي) وما معناها؟


    #صحح
    #التجويد_في_3دقائق
    كيف نقرأ النون الصغيرة في كلمة (ننجي) وما معناها؟ #صحح #التجويد_في_3دقائق
    0 0
  • التنوين في قوله تعالى: ( فله جزاءً الحسنى) في سورة الكهف

    #صحح
    #التجويد_في_3دقائق
    التنوين في قوله تعالى: ( فله جزاءً الحسنى) في سورة الكهف #صحح #التجويد_في_3دقائق
    0 0
  • تحقيق نطق الواو المضمومة

    #صحح
    #التجويد_في_3دقائق

    تحقيق نطق الواو المضمومة #صحح #التجويد_في_3دقائق
    0 0
  • كيفية الوقف على كلمة ( لم يحضن ) في سورة الطلاق

    #صحح
    #التجويد_في_3دقائق
    كيفية الوقف على كلمة ( لم يحضن ) في سورة الطلاق #صحح #التجويد_في_3دقائق
    0 0
  • بسم الله الرحمن الرحيم

    رئياً

    ورد ذكر الرؤيا والرؤية في كثير من الآيات الكريمة.
    إلا أن كلمة: (رئياً) لم ترد سوى مرة واحدة.

    وذلك في قوله تعالى: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا﴾ [مريم: 74].

    قال أبو عبيدة: "قوله: (أَثاثاً) أي متاعاً، قال محمد بن نمير الثّقفي:
    أهاجتك الظّعائن يوم بانوا
    بذي الرّي الجميل من الأثاث
    والري الكسوة الظاهرة وما ظهر. (1) "
    وقال أبو حيان: "(ورئياً): ما رأيت من شارة وهيئة. (2) "

    قد يغتر الكافر -أو يغتر غيره بظاهر حاله- بما له من مزية ظاهرة على غيره، فيظن ذلك مانعاً إياه من عذاب الله من شيء.
    فيتخبط في كفره، ويعمه في غيّه وضلاله، فيستبعد عذاب ربه.
    وجاء القرآن الكريم مبطلاً هذا الوهم، ومصححاً هذا الخطأ، ومبيناً أن من المكذبين السابقين من هم أحسن من اللاحقين أثاثاً ورئياً، وقد أهلكهم الله بذنوبهم، وأخذهم بكفرهم وعصيانهم أخذة رابية.
    فهل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزاً.

    _________________________

    (1) مجاز القرآن: أبو عبيدة معمر بن المثنى، 1/ 365- 366، تحقيق: د.محمد فؤاد سزكين، مكتبة الخانجي بالقاهرة.
    (2) تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب: أبو حيان الأندلسي، 146، تحقيق: سمير المجذوب، المكتب الإسلامي، بيروت، دمشق، الطبعة الأولى، 1403 هـ - 1983 م.

    بسم الله الرحمن الرحيم رئياً ورد ذكر الرؤيا والرؤية في كثير من الآيات الكريمة. إلا أن كلمة: (رئياً) لم ترد سوى مرة واحدة. وذلك في قوله تعالى: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا﴾ [مريم: 74]. قال أبو عبيدة: "قوله: (أَثاثاً) أي متاعاً، قال محمد بن نمير الثّقفي: أهاجتك الظّعائن يوم بانوا بذي الرّي الجميل من الأثاث والري الكسوة الظاهرة وما ظهر. (1) " وقال أبو حيان: "(ورئياً): ما رأيت من شارة وهيئة. (2) " قد يغتر الكافر -أو يغتر غيره بظاهر حاله- بما له من مزية ظاهرة على غيره، فيظن ذلك مانعاً إياه من عذاب الله من شيء. فيتخبط في كفره، ويعمه في غيّه وضلاله، فيستبعد عذاب ربه. وجاء القرآن الكريم مبطلاً هذا الوهم، ومصححاً هذا الخطأ، ومبيناً أن من المكذبين السابقين من هم أحسن من اللاحقين أثاثاً ورئياً، وقد أهلكهم الله بذنوبهم، وأخذهم بكفرهم وعصيانهم أخذة رابية. فهل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزاً. _________________________ (1) مجاز القرآن: أبو عبيدة معمر بن المثنى، 1/ 365- 366، تحقيق: د.محمد فؤاد سزكين، مكتبة الخانجي بالقاهرة. (2) تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب: أبو حيان الأندلسي، 146، تحقيق: سمير المجذوب، المكتب الإسلامي، بيروت، دمشق، الطبعة الأولى، 1403 هـ - 1983 م.
    0
  • كيفية الوقف على ثلاث كلمات (عدو - العفو - الوحي)

    #صحح
    #التجويد_في_3دقائق
    كيفية الوقف على ثلاث كلمات (عدو - العفو - الوحي) #صحح #التجويد_في_3دقائق
    0 1
  • #الآسك​ : كيف ننطق الحرف المفخم المكسور مثل: الآخِرة؟

    #صحح
    #التجويد_في_3دقائق
    #الآسك​ : كيف ننطق الحرف المفخم المكسور مثل: الآخِرة؟ #صحح #التجويد_في_3دقائق
    1 0
  • تصحيح تلاوة قوله تعالى : ( الذي اؤتمن )

    #صحح
    #التجويد_في_3دقائق

    تصحيح تلاوة قوله تعالى : ( الذي اؤتمن ) #صحح #التجويد_في_3دقائق
    1 0
  • وأموالٌ اقترفتموها

    #صحح
    #التجويد_في_3دقائق
    وأموالٌ اقترفتموها #صحح #التجويد_في_3دقائق
    0 0
  • تصحيح تلاوة كلمة "يا صاحبيِ السجن"

    #صحح
    #التجويد_في_3دقائق
    تصحيح تلاوة كلمة "يا صاحبيِ السجن" #صحح #التجويد_في_3دقائق
    0 0

  • انتشار ترجمات معاني القرآن الكريم في مشرق العالم ومغربه
    بقلم : السيد أحمد أبو الفضل عوض الله

    (مجلة البحوث الإسلامية بإشراف ومسؤولية الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية - العدد الثلاثون - الإصدار : من ربيع الأول إلى جمادى الثانية لسنة 1411هـ)

    لقد كان ظهور الإسلام حدثا عالميا أوجد حركة إنسانية كبرى ، ترتبت عليها نتائج ضخمة لم تقف عند الحدود الجغرافية للبلاد التي شهدت بوادره الأولى ، بل لقد تجاوزت هذه الحدود إلى ما وراءها . واستمرت تفاعلاتها الفكرية تنتقل من بلد إلى آخر ، ومن زمن إلى زمن ، حتى فرضت نفسها على تطور الحضارة العالمية ، وأصبحت إحدى الظواهر الأساسية لتطلع الإنسان إلى حياة أفضل ، وبذلك لم يجد أهل العلم من رجال الفكر على تباين لغاتهم ومذاهبهم بدا من العودة إلى الكتاب الذي ضم بين دفتيه شعائر هذا الدين وأركانه ، للاطلاع عليه ودراسته وتدبره وتمحيصه . ومن ثم أصبحت ترجمة معاني القرآن ، هذا الكتاب الخالد الذي لا يشبع منه العلماء ولا يبلى من كثرة الترداد ، هكذا أصبحت ترجمة معاني القرآن الكريم هدفا لمحاولات جادة قام بها العلماء في مشرق العالم ومغربه ، ولا تزال هذه المحاولات قائمة حتى الآن ، وكلها تسعى إلى ترجمة النص العربي لمعاني القرآن الكريم ونقله إلى لغات العالم الحية بقدر الإمكان .
    ولسنا هنا بصدد تحليل هذه الترجمات ومناقشتها في قربها أو بعدها عن الغرض الذي تسامت إليه ، وإنما نريد أن نعطي القارئ عرضا تاريخيا لهذا الموضوع الخطير ، ونضع بين يدي المهتمين بالدراسات القرآنية تعريفا بهؤلاء الأشخاص الذين ندبوا أنفسهم للتصدي لهذا العمل الجليل . ولا نزاع أن الترجمة الحرفية للقرآن الكريم ستبقى الضالة المنشودة ، كما أنها ستبقى الغاية التي لن تدرك ؛ لأن ترجمة الوحي الإلهي الذي نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين ليست بالأمر الهين ، وفي ذلك يقول المستشرق الألماني " فيشر " : " لا يداخل الذين تعمقوا في أسرار العربية شك في أنه لا يوجد بين تراجم القرآن ، سواء أكانت كاملة أم قاصرة على بعض آيات منه - ترجمة تفي بالمطالب اللغوية الدقيقة " .

    القرآن الكريم في أوروبا :
    إن التواتر الدائم الذي كانت تتميز به العلاقات بين الإسلام والنصرانية لا سيما في أثناء الحروب الصليبية وبعدها ، كان يقف حجر عثرة يحول دون اطلاع الأوربيين على القرآن الكريم ، سواء بغلته العربية الأصيلة أو مترجما إلى إحدى اللغات الأوربية السائدة .
    وعندما أقدم العالم الإيطالي " باكانين " على طبع القرآن الكريم في مدينة البندقية سنة 1530 ميلادية ، بادر البابا بولس الثالث [ 1534 - 1537 م ] إلى إصدار الأمر المشدد بإتلاف كافة النسخ المطبوعة في الحالة . غير أن البابا الكسندر السابع [ 1555 -1567 ] عاد فألغى أمر الباب السابق وسمح بطبع القرآن الكريم لمن شاء كما سمح بترجمته والقيام بدراسته .

    أول ترجمة للقرآن الكريم في أوربا .
    إن أول ترجمة للقرآن الكريم في أوربا كانت بإشارة من بطرس المحترم abbot GLUG ny petrus venerabilis رئيس دير كلوني المتوفى سنة 1157 ميلادية فبعد قيامه برحلة إلى إسبانيا بين سنتي 1141 - 1143 م وبمساعدة ريمون الطليطلي كما هو مظنون ، ألف لجنة رأسها روبرت الراتيني ( إنجليزي ) Robert of Ratina الذي كان يشغل منصب رئيس الشمامسة بمدينة بمبلونا يساعده راهب ألماني يدعى هرمان Hermann ورجل آخر اسمه بطرس الطيطلي ويرجح أن هذا الأخير هو المترجم الحقيقي لمعاني القرآن الكريم إذ كان يتقن العربية اتقانا تاما .
    وتمت هذه الترجمة حوالي سنة 1143 م ، وأرسلت بعد إنجازها إلى رئيس دير كلوني العام برندوس الذي وضعها تحت تصرف رجال الكنيسة ليستفيدوا منها في استكمال دراساتهم اللاهوتية أو القيام بأعمال التبشير وكان ظهور هذه الترجمة بعد الحملة الصليبية بأربع سنوات .
    وقد ذكر هذه الترجمة المفهرس الألماني شتور في الصفحة ( 421 : 427 ) من الفهرس الذي وضعه بعنوان " المكتبة العربية " وكذلك أشار إليها مفهرس ألماني آخر هو " بيفان مولر " في الصفحة ( 213 ) والجدير بالذكر أن هذه الترجمة بالذات هي التي طبعها تيودور بيبلنياندر Theodor Bibilander : في بازل سنة 1543 ونقلت بعد ذلك إلى الإيطالية والألمانية والهولندية .
    وقد ظهرت فيما بعد طبعات أخرى لترجمة بيبلياندر وذلك سنة 1550م م سسنة 1721م في مدينة ليبزج EBZIG كما طبع في هذه المدينة أيضا ترجمة لاتينية لمعاني القرآن الكريم مع أصله العربي سنة 1768 قام بها جوستاس فريد ريكوس فورياب justas وثمة اعتقاد بأن الكتاب الذي نشره العالم الإيطالي " أندريا اريفايانيه سنة 1547م بعنوان : " قرآن محمد L ، alcorno de Macometto " لم يكن في الواقع سوى الترجمة الإيطالية من الأصل اللاتيني الذي وضعه كما ذكرنا من قبل روبرت الراتيني ، وهذه الترجمة بالذات هي التي نقلت فيما بعد إلى الألمانية وطبعت سنة 1616م ، وإلى الهولندية سنة 1647م وطبعت في هامبورج .
    ولقد ترجمت معاني القرآن الكريم مرة أخرى إلى اللاتينة على يد الأب بولس لويس مراكشي owis Marracciوذلك سنة 1698م وقد تضمنت هذه الترجمة الأصل العربي والترجمة اللاتينية والألفاظ المصححة .
    ومن الطريف أن رجال الدين النصارى في أوربا حاربوا القرآن الكريم ، عن طريق إطلاق الشائعات بأن من يطبعه أو يحاول طبعه فإنه يلاقي الموت الزؤام قبل أن يحل أجله الطبيعي .

    القرآن الكريم في ألمانيا :
    على أنه على الرغم من حرب الأعصاب التي شنتها الكنيسة على أتباعها ، لكي تصرفهم عن الاهتمام بطبع القرآن الكريم ، فإنه ما إن حل القرن السابع عشر للميلاد حتى ظهر هذا الكتاب المقدس في ألمانيا نفسها على يد المستشرق " هيابل " الذي نقله إلى الألمانية عن الترجمة الإيطالية للنسخة الأصلية التي وضعت في الأساس باللغة اللاتينية .
    محاولات ألمانية لتعميم طبع القرآن الكريم في ألمانيا .
    ولقد جرت في ذلك الزمن عدة محاولات جادة لتعميم طبع القرآن الكريم في ألمانيا ، يقول المؤرخ الألماني المعروف " ولهلم ايرنست تينتزل من مدينة جونا " في أحد أعداد مجلته الشهرية " مكالمات شهرية يا أصدقاء " الصادرسنة 1662م : " علمنا من البروفسور يوهان أندرياس دانتز ، أستاذ اللغات الشرقية أنه مزمع على طبع القرآن باللغة العربية . . وقد ذكر " فون أوست " بفايفر من لوبيك بألمانيا عن طبعات القرآن وذلك في مقدمة كتابه " علوم الدين في اليهودية والإسلام " الذي ظهر سنة 1687م ، في هذا الوقت الذي يسعى فيه كثيرون من الذين يدرسون اللغات الشرقية وعلومها للحصول على نسخ مطبوعة للقرآن ، تقرر طباعة مجموعة جديدة للقرآن . . . ولكن هذا الحلم لم يتحقق آنذاك لصعوبات وقفت في وجه كل من الرجلين ا . هـ " .

    أول طبعة للقرآن الكريم في ألمانيا :
    كانت أول طبعة لترجمة معاني القرآن الكريم في ألمانيا باللاتينية ، ثم تلتها ترجمات أخرى إحداها لسكويجر ( schweigger ) وكانت عن الإيطالية طبعت في نورنبرج سنة 1616م ، وفي سنة 1693 م ، سنحت الفرصة للناشر هينكلمان في ألمانيا فتم له طبع القرآن الكريم سفر 1694م . وتقع هذه الطبعة في 560 صفحة بحجم 17 . 5 X 21 . 5 سم ، ولقد لقي هينكلمان الاحترام من الجميع ، وفي مقدمة هذه الطبعة التي بلغ عدد صفحاتها 80 صفحة ضمن هينكلمان آراءه الشخصية في الآداب والعلوم الشرقية بالعربية ، وفي نهاية هذه المقدمة أبدى أسفه لقلة ما يعرفه الأوربيون بصورة عامة عن العرب واللغة العربية . ولا تزال نسختان من طبعة هينكلمان للقرآن الكريم موجودتين في ألمانيا إحداهما في المكتبة العامة بمدينة هامبورج والأخرى بمكتبة جامعتها .

    طبعات قديمة للقرآن الكريم في ألمانيا :
    ثم توالت طبعات القرآن الكريم في ألمانيا ، ومن ذلك طبعة لفردريك مجرلين ( Fredrick Megrerlin ) التي صدرت في فرانكفورت سنة 1772م وطبعة ترجمة سيل ( Sale ) الإنجليزية التي نقلها إلى الألمانية ثيو أرنولد ( Theo Arnold ) التي طبعت في لمجو ( Lemgo ) سنة 1746 م . على أن أحسن الترجمات الألمانية هي التي قام بها بويسون ( Beyson ) سنة 1773 م ، وهي التي نقحها فيما بعد وهل ( G . Wahl ) سنة 1828م ، وهناك طبعة أولمان ( ( Uilmannسنة 1953م والتي أعيد طبعها عدة مرات .
    عرض سريع للترجمات الأوربية والشرقية لمعاني القرآن الكريم :
    الفرنسية ترجم معاني القرآن الكريم إلى الفرنسية أندرو راير ( Andreo Du Ryer ) الذي كان يعمل قنصلا عاما لفرنسا في مصر ، وكانت له معرفة طيبة باللغتين التركية والعربية ، وطبعت ترجمة عام 1647م وفي سنة 1783 طبعت ترجمة سفاري Savaryثم تلا ذلك ترجمة كازيميرسكي KASIMIRSKIالتي طبعت مرتين سنة1840 م ، 1841م ثم طبعة ثالثة سنة 1875م .
    وفي سنة 1852 طبعت ترجمة يونية .
    السويدية : في سنة 1874م تولى تورنبرج ( G . G . Tomberg ) ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة السويدية .
    الأسبانية : في القرن الثالث عشر الميلادي طلب الفونس العاشر أن تترجم معاني سورة الإسراء إلى اللغة الإسبانية ، فقام بهذا العمل طبيبه الخاص الدون إبراهيم ، وقد نقلت هذه الترجمة إلى الفرنسية بواسطة بونا فنتورا دي سيف Bonna Ventura A save .
    الهولندية : وأول ترجمة هولندية نقلت عن ترجمة سكويجر ( Schweigger ) طبعت في هامبورج سنة1641م ، ثم ترجمة جلاماكر ( J . H . Glasemaker ) الذي اعتمد فيها على ترجمة راير الفرنسية وقد طبعت في ليدن ( Leyden ) سنة 1658م ثم طبعت هذه الترجمة مرتين إحداهما في سنة 1698 م وأخرى سنة 1734م .
    وفي سنة 1806 م قام بترجمة معاني القرآن الكريم الدكتور كيزر ( Keyser ) الذي كان يتولى تدريس الشريعة الإسلامية بجامعة دلفت ( Deleft ) وطبعت هذه الترجمة باللغة الهولندية في مدينة هارلم .
    الروسية : وفي سنة 1776م . ظهرت ترجمة روسية لمعاني القرآن الكريم في مدينة بتراجراد ( لينينجراد اليوم ) .
    الإيطالية : وفي سنة 1547م قام أندر أريفابين ( Ander Arivaben ) بنقل ترجمة بيبلياندر اللاتينية إلى الإيطالية . ومن الترجمات الإيطالية ترجمة أكيلو فاراكسي ( ( Aquilio Fracassiأحد أساتذة الفنون الملكية بميلانو سنة 1914م ، وقدم لها بمقدمة عن التراجم الإيطالية القديمة مع ملخص للسور وشرح أسمائها .
    الإنجليزية : كانت أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم باللغة الإنجليزية هي التي قام بها الكسندر روس ( Alexander Ross ) التي نقلها عن ترجمة راير الفرنسية ثم ترجمة الدكتور سيل ( Sale ) وهذا الأخير نقلها عن العربية مباشرة سنة 1734 م ؛ وقد طبعت هذه الترجمة عدة مرات مع مقدمة مسهبة تحت عنوان " مقالة في الإسلام " وقد وضع المترجم على هامش ترجمته بعض التفاسير عن البيضاوي وكذلك ترجم معاني القرآن الكريم إلى الإنجليزية القسيس رودويل ( Rodwell ) وهو إنجليزي وجعل ترجمته وفقا لترتيب نزول الآيات تاريخيا ، وقد طبعت هذه الترجمة على الحجر على هامش القرآن الكريم سنة 1833م .
    وقد حاول ريتشارد برتن مع آخرين ترجمة معاني القرآن الكريم بالسجع الشعري ونشرت أجزاء من هذه الترجمة في مجلة أدنبرج سنة 1866م .
    بلغة الاسبرانتو العالمية : وقد قام بهذه الترجمة خالد شلدريك ( Khalid Sheldrake ) وظهر بعضها في مجلة إسلاميك ريفيوا وفيما يلي سورة الفاتحة بهذه اللغة .
    AL FATHA PRO LA SURA NOMO de dio la indugema and IMALSEVSRA Laudo esto al dio la majstro de la mondoj Plena de kompato Rego en la Tago de lajogo Al vi Servu ni Kaj al vi ni prgu Konduleo nin en la gusta vojo Ne de Tiujj Kiu Koleras Kontrau via vola Ne de tiujj eraras Amin

    الترجمات الشرقية لمعاني القرآن الكريم .
    الفارسية : إن هذه اللغة هي أول ما ترجمت إليه معاني القرآن الكريم من اللغات ، وقد ذكر الفقيه الكبير شمس الأئمة السرخسي في كتابه المبسوط ( ص73 ) أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله روى أن الفرس كتبوا إلى مواطنهم سلمان رضي الله عنه أن يكتب لهم الفاتحة بالفارسية . فكانوا يقرأون ذلك في الصلاة حتى لانت ألسنتهم العربية ، وبذلك تكون هذه الترجمة أقدم ما عرف على الإطلاق من ترجمات معاني القرآن الكريم .
    وذكر الجاحظ في " البيان والتبيين " أن موسى بن سيار الأسواري المتوفى سنة 255 هجرية كان يدرس تفسير القرآن الكريم بالفارسية . ووصل إلينا ترجمة معاني القرآن الكريم على أيدي علماء ما وراء النهر سنة 345هجرية للملك منصور بن نوح الساماني وأضافوا إلى الترجمات تفسير الطبري المتوفى سنة 310 هجرية .
    وفي العصور الحديثة ظهرت نسخة فارسية وعربية وجزءان طبع كل منهما سنة 1831م وأشار برونيه ( BRUNET ) إلى ترجمة فارسية أخرى في أصفهان ، وقد طبعت خصيصا للشاه رافع الدين ترجمة فارسية وعلى هامشها تفسير باللغتين الفرنسية والأوردية ( لغة الهند ) وباكستان .
    السريانية : وأول ما ترجم القرآن الكريم من غير المسلمين هم السريان ؛ فقد عثر على كتاب جدل ، فيه ترجمة لمعاني آيات القرآن بالسريانية ، وهو مخطوط على رق ، لا تزال محفوظة في مكتبة منشستر بإنجلترا ، ويقول الأستاذ مانكانا : إن " هذه الترجمة هي من وضع بارصليبي المعاصر للحجاج بن يوسف ، أي في الثلث الثالث من القرن الأول للهجرة " .
    العبرية : ذكرت دائرة المعارف اليهودية أنه توجد بعض ترجمات لمعاني القرآن الكريم باللغة العبرية وأن بعض أجزاء من هذه الترجمات توجد في المكتبة البودلية ( BODELLIAN ( بأكسفورد بإنجلترا تحت رقم 1221 . وفي فهرست تلك المكتبة ، عنوان لكتاب عبراني يشتمل في آن واحد على التوراة والترجوم والقرآن الكريم .
    وقد ترجم معاني القرآن الكريم من اللاتينية إلى العبرانية يعقوب بن إسرائيل حاخام زنتى سنة1634م ، ثم ترجمه هرمان ريكندوف ( HERMANN REEKENDORF ) وطبع في ليبزج سنة 1857م .
    الأوردية ( الهندية ) أقدم الترجمات الأوردية قام بها الشيخ عبد القادر بن الشاه ولي الله ، طبعت في دلهي سنة 1790م ، وظهرت في طبعات مختلفة مع الأصل العربي ، وترجم معاني القرآن الكريم إلى الأوردية كذلك الدكتور عماد الدين أمرتسار ( AMRITSAR ) : وقد طبعت ترجمته في " الله أباد " وهي أول طبعة بحروف أوردية أفرنجية . وهناك طبعة 1315 هـ اسمها : ( القرآن الكريم ) وفيها الأصل العربي وترجمته بالفارسية والأوردية .

    البنجالية ( الهند ) : في سنة 1908م بدأ القس ( وليم جلود ساك ) ترجمة معاني القرآن الكريم إلى لغة بنجالي في الهند .
    الجاوية : ترجمت معاني القرآن الكريم إلى لغة مالي بجاوة مع تفسير البيضاوي ، وظهرت ترجمته باللغة الجاوية سنة 1913م لرجل كان يسمي نفسه خادم سلطان تركيا .
    التركية : كان السلطان عبد الحميد الثاني يمنع منعا باتا ترجمة معاني القرآن إلى اللغة التركية ، وبعد إعلان الدستور سنة 1908م بدأ بعض الكتاب الأتراك في ترجمته إلى اللغة التركية وسط مقاومة بعض المتمسكين من المحافظين على القديم ، وأول ترجمة من هذا النوع ظهرت لإبراهيم حلمي ، كما ظهرت كذلك ترجمة أخرى في المجلة التركية ( إسلام مجموعة س ) لمحررها سليم ثابت بقلم رجل كان يوقع اسمه : خ . ن .
    ولا بد من الملاحظة بأن هذه الترجمات الشرقية لم تكن في الواقع ترجمة بالمعنى المفهوم من هذه الكلمة بل هي عبارة عن تفسير لآيات القرآن الكريم ومن هذا القبيل ما وضع كل من فرجنيل ( M . F Fargenal ) وبوفات ( M . BOUVAT ) من شرح للقرآن الكريم باللغة الصينية في مجلة ريفودي موند مسلمان ( ( Reveue de Monde Musulman ( جزء 4 ص540 ) .

    قائمة باللغة التي ترجمت إليها معاني القرآن وعدد كل منها

    عددها
    1 - أرغونية 1
    2 - أسوجية 6
    3 - أفريقانية ( لهجة من الونديزية بالحرف العربي ) 4
    4 - ألبانية 2
    5 - الخميادو ( إسبانية بالحرف العربي ) 35
    6 - ألمانية 42
    7 - إنجليزية 57
    8 - أوكرانية 1
    9 - ايسبرانتو 1
    10 - برتغالية 4
    11 - بلغارية 2
    12 - بشنافية ( يوغسلافية بالحرف العرب ) 2
    13 - بولونية لاتيني بالعربي 7
    14 - بوهيمية من تشيكوسلافاكية 3
    15 - تركية - باللاتيني بالإيفور القديم 3 قطعات بالعربي ( في فهرست د . يشاء ) 60 تقريبا
    16 - دانماركية 3
    17 - روسية 11
    18 - رومانية 1
    19 - إيطالية 11
    20 - فرنسية 33
    21 - فنلندية 1
    22 - لاتينية 42
    23 - مجرية ( هنجارية ) 6
    24 - نوريجية 1
    25 - ولنديزية 7
    26 - أسبانية ( باللاتيني ) 18
    27 - اليونانية 3

    بعد هذا العرض التاريخي لترجمات معاني القرآن الكريم في اللغات المختلفة . فإني أهيب بعلماء المسلمين في أنحاء العالم العربي والإسلامي كافة وبخاصة في المملكة العربية السعودية إلى جمع ترجمات معاني القرآن الكريم من مظانها ودراستها ومراجعتها وتمحيصها بالاستعانة بنخبة مصطفاة من المترجمين المسلمين النابهين في اللغتين العربية واللغات المترجم إليها ، وذلك لتدارك ما قد يكون قد وقع سهوا أو لعدم قدرة المترجم وتمكنه من النقل عن العربية من أخطاء طباعية أو نتيجة لعدم قدرة المترجم على فهم أسرار اللغة العربية وسبر أغوارها التي قد تخفى أحيانا على أهلها والناطقين بها . وهذه دعوة أرجو أن تجد سبيلها إلى أسماع قادة المسلمين والمحافظين على كتابها الأعظم والله من وراء القصد .
    انتشار ترجمات معاني القرآن الكريم في مشرق العالم ومغربه بقلم : السيد أحمد أبو الفضل عوض الله (مجلة البحوث الإسلامية بإشراف ومسؤولية الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية - العدد الثلاثون - الإصدار : من ربيع الأول إلى جمادى الثانية لسنة 1411هـ) لقد كان ظهور الإسلام حدثا عالميا أوجد حركة إنسانية كبرى ، ترتبت عليها نتائج ضخمة لم تقف عند الحدود الجغرافية للبلاد التي شهدت بوادره الأولى ، بل لقد تجاوزت هذه الحدود إلى ما وراءها . واستمرت تفاعلاتها الفكرية تنتقل من بلد إلى آخر ، ومن زمن إلى زمن ، حتى فرضت نفسها على تطور الحضارة العالمية ، وأصبحت إحدى الظواهر الأساسية لتطلع الإنسان إلى حياة أفضل ، وبذلك لم يجد أهل العلم من رجال الفكر على تباين لغاتهم ومذاهبهم بدا من العودة إلى الكتاب الذي ضم بين دفتيه شعائر هذا الدين وأركانه ، للاطلاع عليه ودراسته وتدبره وتمحيصه . ومن ثم أصبحت ترجمة معاني القرآن ، هذا الكتاب الخالد الذي لا يشبع منه العلماء ولا يبلى من كثرة الترداد ، هكذا أصبحت ترجمة معاني القرآن الكريم هدفا لمحاولات جادة قام بها العلماء في مشرق العالم ومغربه ، ولا تزال هذه المحاولات قائمة حتى الآن ، وكلها تسعى إلى ترجمة النص العربي لمعاني القرآن الكريم ونقله إلى لغات العالم الحية بقدر الإمكان . ولسنا هنا بصدد تحليل هذه الترجمات ومناقشتها في قربها أو بعدها عن الغرض الذي تسامت إليه ، وإنما نريد أن نعطي القارئ عرضا تاريخيا لهذا الموضوع الخطير ، ونضع بين يدي المهتمين بالدراسات القرآنية تعريفا بهؤلاء الأشخاص الذين ندبوا أنفسهم للتصدي لهذا العمل الجليل . ولا نزاع أن الترجمة الحرفية للقرآن الكريم ستبقى الضالة المنشودة ، كما أنها ستبقى الغاية التي لن تدرك ؛ لأن ترجمة الوحي الإلهي الذي نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين ليست بالأمر الهين ، وفي ذلك يقول المستشرق الألماني " فيشر " : " لا يداخل الذين تعمقوا في أسرار العربية شك في أنه لا يوجد بين تراجم القرآن ، سواء أكانت كاملة أم قاصرة على بعض آيات منه - ترجمة تفي بالمطالب اللغوية الدقيقة " . القرآن الكريم في أوروبا : إن التواتر الدائم الذي كانت تتميز به العلاقات بين الإسلام والنصرانية لا سيما في أثناء الحروب الصليبية وبعدها ، كان يقف حجر عثرة يحول دون اطلاع الأوربيين على القرآن الكريم ، سواء بغلته العربية الأصيلة أو مترجما إلى إحدى اللغات الأوربية السائدة . وعندما أقدم العالم الإيطالي " باكانين " على طبع القرآن الكريم في مدينة البندقية سنة 1530 ميلادية ، بادر البابا بولس الثالث [ 1534 - 1537 م ] إلى إصدار الأمر المشدد بإتلاف كافة النسخ المطبوعة في الحالة . غير أن البابا الكسندر السابع [ 1555 -1567 ] عاد فألغى أمر الباب السابق وسمح بطبع القرآن الكريم لمن شاء كما سمح بترجمته والقيام بدراسته . أول ترجمة للقرآن الكريم في أوربا . إن أول ترجمة للقرآن الكريم في أوربا كانت بإشارة من بطرس المحترم abbot GLUG ny petrus venerabilis رئيس دير كلوني المتوفى سنة 1157 ميلادية فبعد قيامه برحلة إلى إسبانيا بين سنتي 1141 - 1143 م وبمساعدة ريمون الطليطلي كما هو مظنون ، ألف لجنة رأسها روبرت الراتيني ( إنجليزي ) Robert of Ratina الذي كان يشغل منصب رئيس الشمامسة بمدينة بمبلونا يساعده راهب ألماني يدعى هرمان Hermann ورجل آخر اسمه بطرس الطيطلي ويرجح أن هذا الأخير هو المترجم الحقيقي لمعاني القرآن الكريم إذ كان يتقن العربية اتقانا تاما . وتمت هذه الترجمة حوالي سنة 1143 م ، وأرسلت بعد إنجازها إلى رئيس دير كلوني العام برندوس الذي وضعها تحت تصرف رجال الكنيسة ليستفيدوا منها في استكمال دراساتهم اللاهوتية أو القيام بأعمال التبشير وكان ظهور هذه الترجمة بعد الحملة الصليبية بأربع سنوات . وقد ذكر هذه الترجمة المفهرس الألماني شتور في الصفحة ( 421 : 427 ) من الفهرس الذي وضعه بعنوان " المكتبة العربية " وكذلك أشار إليها مفهرس ألماني آخر هو " بيفان مولر " في الصفحة ( 213 ) والجدير بالذكر أن هذه الترجمة بالذات هي التي طبعها تيودور بيبلنياندر Theodor Bibilander : في بازل سنة 1543 ونقلت بعد ذلك إلى الإيطالية والألمانية والهولندية . وقد ظهرت فيما بعد طبعات أخرى لترجمة بيبلياندر وذلك سنة 1550م م سسنة 1721م في مدينة ليبزج EBZIG كما طبع في هذه المدينة أيضا ترجمة لاتينية لمعاني القرآن الكريم مع أصله العربي سنة 1768 قام بها جوستاس فريد ريكوس فورياب justas وثمة اعتقاد بأن الكتاب الذي نشره العالم الإيطالي " أندريا اريفايانيه سنة 1547م بعنوان : " قرآن محمد L ، alcorno de Macometto " لم يكن في الواقع سوى الترجمة الإيطالية من الأصل اللاتيني الذي وضعه كما ذكرنا من قبل روبرت الراتيني ، وهذه الترجمة بالذات هي التي نقلت فيما بعد إلى الألمانية وطبعت سنة 1616م ، وإلى الهولندية سنة 1647م وطبعت في هامبورج . ولقد ترجمت معاني القرآن الكريم مرة أخرى إلى اللاتينة على يد الأب بولس لويس مراكشي owis Marracciوذلك سنة 1698م وقد تضمنت هذه الترجمة الأصل العربي والترجمة اللاتينية والألفاظ المصححة . ومن الطريف أن رجال الدين النصارى في أوربا حاربوا القرآن الكريم ، عن طريق إطلاق الشائعات بأن من يطبعه أو يحاول طبعه فإنه يلاقي الموت الزؤام قبل أن يحل أجله الطبيعي . القرآن الكريم في ألمانيا : على أنه على الرغم من حرب الأعصاب التي شنتها الكنيسة على أتباعها ، لكي تصرفهم عن الاهتمام بطبع القرآن الكريم ، فإنه ما إن حل القرن السابع عشر للميلاد حتى ظهر هذا الكتاب المقدس في ألمانيا نفسها على يد المستشرق " هيابل " الذي نقله إلى الألمانية عن الترجمة الإيطالية للنسخة الأصلية التي وضعت في الأساس باللغة اللاتينية . محاولات ألمانية لتعميم طبع القرآن الكريم في ألمانيا . ولقد جرت في ذلك الزمن عدة محاولات جادة لتعميم طبع القرآن الكريم في ألمانيا ، يقول المؤرخ الألماني المعروف " ولهلم ايرنست تينتزل من مدينة جونا " في أحد أعداد مجلته الشهرية " مكالمات شهرية يا أصدقاء " الصادرسنة 1662م : " علمنا من البروفسور يوهان أندرياس دانتز ، أستاذ اللغات الشرقية أنه مزمع على طبع القرآن باللغة العربية . . وقد ذكر " فون أوست " بفايفر من لوبيك بألمانيا عن طبعات القرآن وذلك في مقدمة كتابه " علوم الدين في اليهودية والإسلام " الذي ظهر سنة 1687م ، في هذا الوقت الذي يسعى فيه كثيرون من الذين يدرسون اللغات الشرقية وعلومها للحصول على نسخ مطبوعة للقرآن ، تقرر طباعة مجموعة جديدة للقرآن . . . ولكن هذا الحلم لم يتحقق آنذاك لصعوبات وقفت في وجه كل من الرجلين ا . هـ " . أول طبعة للقرآن الكريم في ألمانيا : كانت أول طبعة لترجمة معاني القرآن الكريم في ألمانيا باللاتينية ، ثم تلتها ترجمات أخرى إحداها لسكويجر ( schweigger ) وكانت عن الإيطالية طبعت في نورنبرج سنة 1616م ، وفي سنة 1693 م ، سنحت الفرصة للناشر هينكلمان في ألمانيا فتم له طبع القرآن الكريم سفر 1694م . وتقع هذه الطبعة في 560 صفحة بحجم 17 . 5 X 21 . 5 سم ، ولقد لقي هينكلمان الاحترام من الجميع ، وفي مقدمة هذه الطبعة التي بلغ عدد صفحاتها 80 صفحة ضمن هينكلمان آراءه الشخصية في الآداب والعلوم الشرقية بالعربية ، وفي نهاية هذه المقدمة أبدى أسفه لقلة ما يعرفه الأوربيون بصورة عامة عن العرب واللغة العربية . ولا تزال نسختان من طبعة هينكلمان للقرآن الكريم موجودتين في ألمانيا إحداهما في المكتبة العامة بمدينة هامبورج والأخرى بمكتبة جامعتها . طبعات قديمة للقرآن الكريم في ألمانيا : ثم توالت طبعات القرآن الكريم في ألمانيا ، ومن ذلك طبعة لفردريك مجرلين ( Fredrick Megrerlin ) التي صدرت في فرانكفورت سنة 1772م وطبعة ترجمة سيل ( Sale ) الإنجليزية التي نقلها إلى الألمانية ثيو أرنولد ( Theo Arnold ) التي طبعت في لمجو ( Lemgo ) سنة 1746 م . على أن أحسن الترجمات الألمانية هي التي قام بها بويسون ( Beyson ) سنة 1773 م ، وهي التي نقحها فيما بعد وهل ( G . Wahl ) سنة 1828م ، وهناك طبعة أولمان ( ( Uilmannسنة 1953م والتي أعيد طبعها عدة مرات . عرض سريع للترجمات الأوربية والشرقية لمعاني القرآن الكريم : الفرنسية ترجم معاني القرآن الكريم إلى الفرنسية أندرو راير ( Andreo Du Ryer ) الذي كان يعمل قنصلا عاما لفرنسا في مصر ، وكانت له معرفة طيبة باللغتين التركية والعربية ، وطبعت ترجمة عام 1647م وفي سنة 1783 طبعت ترجمة سفاري Savaryثم تلا ذلك ترجمة كازيميرسكي KASIMIRSKIالتي طبعت مرتين سنة1840 م ، 1841م ثم طبعة ثالثة سنة 1875م . وفي سنة 1852 طبعت ترجمة يونية . السويدية : في سنة 1874م تولى تورنبرج ( G . G . Tomberg ) ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة السويدية . الأسبانية : في القرن الثالث عشر الميلادي طلب الفونس العاشر أن تترجم معاني سورة الإسراء إلى اللغة الإسبانية ، فقام بهذا العمل طبيبه الخاص الدون إبراهيم ، وقد نقلت هذه الترجمة إلى الفرنسية بواسطة بونا فنتورا دي سيف Bonna Ventura A save . الهولندية : وأول ترجمة هولندية نقلت عن ترجمة سكويجر ( Schweigger ) طبعت في هامبورج سنة1641م ، ثم ترجمة جلاماكر ( J . H . Glasemaker ) الذي اعتمد فيها على ترجمة راير الفرنسية وقد طبعت في ليدن ( Leyden ) سنة 1658م ثم طبعت هذه الترجمة مرتين إحداهما في سنة 1698 م وأخرى سنة 1734م . وفي سنة 1806 م قام بترجمة معاني القرآن الكريم الدكتور كيزر ( Keyser ) الذي كان يتولى تدريس الشريعة الإسلامية بجامعة دلفت ( Deleft ) وطبعت هذه الترجمة باللغة الهولندية في مدينة هارلم . الروسية : وفي سنة 1776م . ظهرت ترجمة روسية لمعاني القرآن الكريم في مدينة بتراجراد ( لينينجراد اليوم ) . الإيطالية : وفي سنة 1547م قام أندر أريفابين ( Ander Arivaben ) بنقل ترجمة بيبلياندر اللاتينية إلى الإيطالية . ومن الترجمات الإيطالية ترجمة أكيلو فاراكسي ( ( Aquilio Fracassiأحد أساتذة الفنون الملكية بميلانو سنة 1914م ، وقدم لها بمقدمة عن التراجم الإيطالية القديمة مع ملخص للسور وشرح أسمائها . الإنجليزية : كانت أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم باللغة الإنجليزية هي التي قام بها الكسندر روس ( Alexander Ross ) التي نقلها عن ترجمة راير الفرنسية ثم ترجمة الدكتور سيل ( Sale ) وهذا الأخير نقلها عن العربية مباشرة سنة 1734 م ؛ وقد طبعت هذه الترجمة عدة مرات مع مقدمة مسهبة تحت عنوان " مقالة في الإسلام " وقد وضع المترجم على هامش ترجمته بعض التفاسير عن البيضاوي وكذلك ترجم معاني القرآن الكريم إلى الإنجليزية القسيس رودويل ( Rodwell ) وهو إنجليزي وجعل ترجمته وفقا لترتيب نزول الآيات تاريخيا ، وقد طبعت هذه الترجمة على الحجر على هامش القرآن الكريم سنة 1833م . وقد حاول ريتشارد برتن مع آخرين ترجمة معاني القرآن الكريم بالسجع الشعري ونشرت أجزاء من هذه الترجمة في مجلة أدنبرج سنة 1866م . بلغة الاسبرانتو العالمية : وقد قام بهذه الترجمة خالد شلدريك ( Khalid Sheldrake ) وظهر بعضها في مجلة إسلاميك ريفيوا وفيما يلي سورة الفاتحة بهذه اللغة . AL FATHA PRO LA SURA NOMO de dio la indugema and IMALSEVSRA Laudo esto al dio la majstro de la mondoj Plena de kompato Rego en la Tago de lajogo Al vi Servu ni Kaj al vi ni prgu Konduleo nin en la gusta vojo Ne de Tiujj Kiu Koleras Kontrau via vola Ne de tiujj eraras Amin الترجمات الشرقية لمعاني القرآن الكريم . الفارسية : إن هذه اللغة هي أول ما ترجمت إليه معاني القرآن الكريم من اللغات ، وقد ذكر الفقيه الكبير شمس الأئمة السرخسي في كتابه المبسوط ( ص73 ) أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله روى أن الفرس كتبوا إلى مواطنهم سلمان رضي الله عنه أن يكتب لهم الفاتحة بالفارسية . فكانوا يقرأون ذلك في الصلاة حتى لانت ألسنتهم العربية ، وبذلك تكون هذه الترجمة أقدم ما عرف على الإطلاق من ترجمات معاني القرآن الكريم . وذكر الجاحظ في " البيان والتبيين " أن موسى بن سيار الأسواري المتوفى سنة 255 هجرية كان يدرس تفسير القرآن الكريم بالفارسية . ووصل إلينا ترجمة معاني القرآن الكريم على أيدي علماء ما وراء النهر سنة 345هجرية للملك منصور بن نوح الساماني وأضافوا إلى الترجمات تفسير الطبري المتوفى سنة 310 هجرية . وفي العصور الحديثة ظهرت نسخة فارسية وعربية وجزءان طبع كل منهما سنة 1831م وأشار برونيه ( BRUNET ) إلى ترجمة فارسية أخرى في أصفهان ، وقد طبعت خصيصا للشاه رافع الدين ترجمة فارسية وعلى هامشها تفسير باللغتين الفرنسية والأوردية ( لغة الهند ) وباكستان . السريانية : وأول ما ترجم القرآن الكريم من غير المسلمين هم السريان ؛ فقد عثر على كتاب جدل ، فيه ترجمة لمعاني آيات القرآن بالسريانية ، وهو مخطوط على رق ، لا تزال محفوظة في مكتبة منشستر بإنجلترا ، ويقول الأستاذ مانكانا : إن " هذه الترجمة هي من وضع بارصليبي المعاصر للحجاج بن يوسف ، أي في الثلث الثالث من القرن الأول للهجرة " . العبرية : ذكرت دائرة المعارف اليهودية أنه توجد بعض ترجمات لمعاني القرآن الكريم باللغة العبرية وأن بعض أجزاء من هذه الترجمات توجد في المكتبة البودلية ( BODELLIAN ( بأكسفورد بإنجلترا تحت رقم 1221 . وفي فهرست تلك المكتبة ، عنوان لكتاب عبراني يشتمل في آن واحد على التوراة والترجوم والقرآن الكريم . وقد ترجم معاني القرآن الكريم من اللاتينية إلى العبرانية يعقوب بن إسرائيل حاخام زنتى سنة1634م ، ثم ترجمه هرمان ريكندوف ( HERMANN REEKENDORF ) وطبع في ليبزج سنة 1857م . الأوردية ( الهندية ) أقدم الترجمات الأوردية قام بها الشيخ عبد القادر بن الشاه ولي الله ، طبعت في دلهي سنة 1790م ، وظهرت في طبعات مختلفة مع الأصل العربي ، وترجم معاني القرآن الكريم إلى الأوردية كذلك الدكتور عماد الدين أمرتسار ( AMRITSAR ) : وقد طبعت ترجمته في " الله أباد " وهي أول طبعة بحروف أوردية أفرنجية . وهناك طبعة 1315 هـ اسمها : ( القرآن الكريم ) وفيها الأصل العربي وترجمته بالفارسية والأوردية . البنجالية ( الهند ) : في سنة 1908م بدأ القس ( وليم جلود ساك ) ترجمة معاني القرآن الكريم إلى لغة بنجالي في الهند . الجاوية : ترجمت معاني القرآن الكريم إلى لغة مالي بجاوة مع تفسير البيضاوي ، وظهرت ترجمته باللغة الجاوية سنة 1913م لرجل كان يسمي نفسه خادم سلطان تركيا . التركية : كان السلطان عبد الحميد الثاني يمنع منعا باتا ترجمة معاني القرآن إلى اللغة التركية ، وبعد إعلان الدستور سنة 1908م بدأ بعض الكتاب الأتراك في ترجمته إلى اللغة التركية وسط مقاومة بعض المتمسكين من المحافظين على القديم ، وأول ترجمة من هذا النوع ظهرت لإبراهيم حلمي ، كما ظهرت كذلك ترجمة أخرى في المجلة التركية ( إسلام مجموعة س ) لمحررها سليم ثابت بقلم رجل كان يوقع اسمه : خ . ن . ولا بد من الملاحظة بأن هذه الترجمات الشرقية لم تكن في الواقع ترجمة بالمعنى المفهوم من هذه الكلمة بل هي عبارة عن تفسير لآيات القرآن الكريم ومن هذا القبيل ما وضع كل من فرجنيل ( M . F Fargenal ) وبوفات ( M . BOUVAT ) من شرح للقرآن الكريم باللغة الصينية في مجلة ريفودي موند مسلمان ( ( Reveue de Monde Musulman ( جزء 4 ص540 ) . قائمة باللغة التي ترجمت إليها معاني القرآن وعدد كل منها عددها 1 - أرغونية 1 2 - أسوجية 6 3 - أفريقانية ( لهجة من الونديزية بالحرف العربي ) 4 4 - ألبانية 2 5 - الخميادو ( إسبانية بالحرف العربي ) 35 6 - ألمانية 42 7 - إنجليزية 57 8 - أوكرانية 1 9 - ايسبرانتو 1 10 - برتغالية 4 11 - بلغارية 2 12 - بشنافية ( يوغسلافية بالحرف العرب ) 2 13 - بولونية لاتيني بالعربي 7 14 - بوهيمية من تشيكوسلافاكية 3 15 - تركية - باللاتيني بالإيفور القديم 3 قطعات بالعربي ( في فهرست د . يشاء ) 60 تقريبا 16 - دانماركية 3 17 - روسية 11 18 - رومانية 1 19 - إيطالية 11 20 - فرنسية 33 21 - فنلندية 1 22 - لاتينية 42 23 - مجرية ( هنجارية ) 6 24 - نوريجية 1 25 - ولنديزية 7 26 - أسبانية ( باللاتيني ) 18 27 - اليونانية 3 بعد هذا العرض التاريخي لترجمات معاني القرآن الكريم في اللغات المختلفة . فإني أهيب بعلماء المسلمين في أنحاء العالم العربي والإسلامي كافة وبخاصة في المملكة العربية السعودية إلى جمع ترجمات معاني القرآن الكريم من مظانها ودراستها ومراجعتها وتمحيصها بالاستعانة بنخبة مصطفاة من المترجمين المسلمين النابهين في اللغتين العربية واللغات المترجم إليها ، وذلك لتدارك ما قد يكون قد وقع سهوا أو لعدم قدرة المترجم وتمكنه من النقل عن العربية من أخطاء طباعية أو نتيجة لعدم قدرة المترجم على فهم أسرار اللغة العربية وسبر أغوارها التي قد تخفى أحيانا على أهلها والناطقين بها . وهذه دعوة أرجو أن تجد سبيلها إلى أسماع قادة المسلمين والمحافظين على كتابها الأعظم والله من وراء القصد .
    1
  • التناسب في أسلوب القرآن الكريم [1]
    الكاتب: حكمت الحريري

    القرآن الكريم يستحوذ على السمع ويؤثر في النفوس سلباً أو إيجاباً، وذلك حسب طبيعتها فاجرةً أو تقيةً ((ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها))، فإن كانت فاجرةً فهي تنفر من القرآن وتشمئز منه، وإن كانت تقيةً فهي خاشعةٌ ووجلةٌ لذكر الله.

    فإن قيل: ما سر توجهك للحديث عن تأثير القرآن في النفوس واستحواذه على السمع قبل غيره من وجوه الإعجاز؟

    فأقول: لتدرك الحكمة في الخطاب الإلهي الذي يبدأ بذكر السمع قبل غيره من الحواس فقال - تعالى -: ((إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا))، وقال: ((وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون)) [ النحل: 78 ].

    فلتكن أيها العاقل ممن قال الله - تعالى - فيهم: ((ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا)) [ آل عمران: 193 ]، ((ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون)).

    ولا كالذي ((يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها)) [ الجاثية: 8 ] فأقبل ولا تخف، و ((كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين، يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم)) [المائدة: 15 - 16].

    فدعنا نتأمل هذا البناء الإلهي المعجز تأملاً صادقاً، وننظر فيه بإمعانٍ, فلا توغل في الدخول إليه دفعةً واحدة، بل خطوةً إثر خطوةٍ, لتعقل ما تقف عليه وما تشاهده من أمور تثير إعجابك وتملك عليك سمعك وبصرك، تدبر في حدود سور هذا الكتاب العظيم، على الإطار العام فيها، ارتباط السورة بما قبلها وما بعدها، فهذا أحد أمور الإعجاز للقرآن الكريم.

    إذ أن القرآن نزل منجماً في أجزاءٍ, طويلةٍ, و أخرى قصيرةٍ, خلال ثلاثٍ, وعشرين سنةً، إلا أن هذه الأجزاء رتبت ترتيباً لا مثيل له على الإطلاق في أي كتابٍ, من كتب الأدب أو العلوم التي هي من تصنيف البشر.

    فسور القرآن الكريم لم ترتب حسب موضوعاتها، ولا حسب زمن نزولها، إنما للقرآن طريقته المستقلة المخالفة لما هو مألوفٌ عند البشر في الكتب والمصنفات.

    عندما كان ينزل الوحي على الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالآيات كان الرسول - عليه الصلاة والسلام - يأمر بعض من يكتب الوحي بوضعها في مواضع محددة من السور التي لم تكن قد اكتملت بعد، وبمجرد وضع الآية أو الآيات في موضعٍ, ما فإنها تبقى ثابتةً في موضعها الذي أمر - عليه الصلاة والسلام - بوضعها فيه من السورة دون أن يطرأ على ذلك الوضع تصحيحٌ أو تعديل، وهذا أكبر دليلٍ, وأسطع برهانٍ, على ربانية هذا الكتاب ((وإنه لتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين)) [ الشعراء:192 - 195]، وقال - تعالى -: ((وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلاً)).

    عن عثمان بن أبي العاص قال: كنت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالساً إذ شخص ببصره ثم صوّبه حتى كاد أن يلزقه بالأرض قال: ثم شخص ببصره فقال: \"أتاني جبريل - عليه السلام - فأمرني أن أضع هذه الآية بهذا الموضع من هذه السورة ((إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون)) [2].

    قال الزركشي: فأما الآيات في كل سورةٍ, ووضع البسملة أوائلها فترتيبها توقيفيٌ بلا شكٍ, ولا خلاف فيه[3].

    ترتيب السور في القرآن الكريم:

    قد مرّ معنا أن ترتيب القرآن لا مثيل له على الإطلاق في الكتب والمصنفات، فلم يرتب حسب الترتيب الزماني ولا حسب الموضوعات إنما له طريقته الخاصة.

    لكن بعض العلماء غفر الله لهم يذكر أن ترتيب السور اجتهاديٌ بخلاف ترتيب الآيات، وبعضهم يذكر أن ترتيب السور بعضه توفيقي اجتهادي وبعضه توقيفي وعمدتهم في ذلك الاستدلال بحديثٍ, يرويه يزيد الفارسي عن ابن عباس و سنأتي للكلام على هذا الحديث.

    وبناءً على ما تقدم من قول بعضهم أن الترتيب توفيقي، فقد قالوا لا فائدة من البحث عن التناسب والارتباط بين الآيات والسور لأن القرآن نزل منجماً في مدة ثلاثٍ, وعشرين سنةً وفي مناسباتٍ, مختلفة.

    ولكن هذا الكلام لا يسلم من الاعتراض عليه بل يجنح عن الصواب إذا قلنا أن القرآن من أهم المعجزات الشاهدة على رسالة خاتم النبيين - عليه الصلاة والسلام - بل هي أبقى المعجزات وأبينها، ومعلوم بالبداهة أن حسن الترتيب من أكبر محاسن الكلام البليغ، ونحن نعتقد بأن القرآن معجزٌ فهل نرضى بأن يكون عارياً عن حسن الترتيب والتناسق؟!!

    وكيف نترك النظر في فهم ارتباط معانيه وتناسق آياته وسوره وإتقان ترتيبها؟ والله - عز وجل - أمرنا بتدبر هذا الكتاب الكريم فقال: ((أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيراً))

    وقد وصف الله - تعالى - هذا الكتاب بكونه محكماً ((قرآناً عربياً غير ذي عوج لعلهم يتقون)) [ الزمر: 28]، وقال - تعالى -: ((وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلاً)).

    فكونه أنزل على مدى سنين متطاولةٍ, وبمناسباتٍ, مختلفةٍ, متفاوتة، فهذا دليل بين على إعجازه لأنه كلام عالم الغيب والشهادة: ((قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً)).

    وربما يحط عندك قدر خطيب مصقع أتى بفنون من البلاغة وأثر في النفوس بخلابة بيانه لمحض أنه ذهل عن ربط الكلام فهام من وادٍ, إلى وادٍ,، مع أنه معذور لأنه ألقى خطبته ارتجالاً ولم يعمل فيها النظر والروية، وما مؤاخذاتك لذلك الخطيب إلا لأن الكلام البليغ لا يحتمل سوء الترتيب، فإذا كان الأمر كذلك، أليس من الموقن بإعجاز القرآن أن يثبت حسن نظمه وإحكام ترتيبه وتناسق آياته وسوره؟![4]

    ماذا قال العلماء في موضوع التناسب والترتيب؟

    - قال الفخر الرازي:\"علم المناسبات علمٌ عظيم أودعت فيه أكثر لطائف القرآن وروائعه وهو أمر معقول إذا عرض على العقول تلقته بالقبول\".

    - وقال الزركشي: \"وقال بعض مشايخنا المحققين: وقد وهم من قال: لا يطلب للآي الكريمة مناسبةٌ لأنها على حسب الوقائع المتفرقة وفصل الخطاب أنها على حسب الوقائع تنزيلاً وعلى حسب الحكمة ترتيباً، فالمصحف كالصحف الكريمة على وفق ما في الكتاب المكنون مرتبةً سوره كلها و آياته بالتوقيف\"[5].

    - وفي معترك الأقران للسيوطي:

    إذا اعتبرت افتتاح كل سورة وجدته في غاية المناسبة لما ختم به السورة قبلها، ثم هو يخفى تارةً ويظهر أخرى. [1/52].

    - وقال السيوطي: علم المناسبة علم شريف قلّ اعتناء المفسرين به لدقته[6].

    - وقال الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني: إن القرآن تقرؤه من أوله إلى آخره، فإذا هو محكم السرد، دقيق السبك، متين الأسلوب، قوي الاتصال، آخذٌ بعضه برقاب بعض في سوره وآياته وجمله، يجري دم الإعجاز فيه كله من ألفه إلى يائه، كأنه سبيكةٌ واحدةٌ ولا يكاد يوجد بين أجزائه تفكك ولا تخاذل، كأنه حلقةٌ مفرغة، أو كأنه سمطٌ وحيد وعقدٌ فريد يأخذ بالأبصار، نظمت حروفه وكلماته، ونسقت جمله وآياته، وجاء آخره مساوقاً لأوله، وبدا أوله مواتياً لآخره[7].

    - وقال الشيخ محمد عبد الله دراز: (أجل إنك لتقرأ السورة الطويلة المنجمة يحسبها الجاهل أضغاثاً من المعاني حشيت حشواً وأوزاعاً من المباني جمعت عفواً، فإذا هي لو تدبرت بنية متماسكة قد بنيت من المقاصد الكلية على أسسٍ, و أصول،ٍ, وأقيم على كل أصلٍ, منها شعب وفصول، و امتد من كل شعبةٍ, منها فروعٌ تقصر أو تطول، فلا تزال تنتقل بين أجزائها كما تنتقل بين حجرات وأفنية في بنيانٍ, واحدٍ, قد وضع رسمه مرةً واحدةً، لا تحس بشيءٍ, من تناكر الأوضاع في التقسيم والتنسيق، ولا بشيءٍ, من الانفصال في الخروج من طريقٍ, إلى طريقٍ,، بل ترى بين الأجناس المختلفة تمام الألفة، كما ترى بين آحاد الجنس الواحد نهاية التضام، والالتحام، كل ذلك بغير تكلفٍ, ولا استعانةٍ, بأمرٍ, من خارج المعاني أنفسها، إنما هو حسن السياقة ولطف التمهيد في مطلع كل غرضٍ, ومقطعه وأثنائه يريك المنفصل متصلاً والمختلف مؤتلفاً[8].

    وغير هؤلاء من العلماء كثيرٌ من المتقدمين و المتأخرين الذين يهتمون بعلم التناسب والربط بين السور و الآيات.

    الأدلة من الكتاب والسنة على أن ترتيب السور توقيفي:

    والأدلة التي استند إليها العلماء القائلون بأن ترتيب السور توقيفي وليس اجتهادي، كثيرةٌ منها:

    قوله - تعالى -: ((إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)).

    وقوله: ((كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير)).

    وقوله: ((ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيراً)).

    وقوله: ((إن علينا جمعه وقرآنه)) والجمع كما قال المفسرون على معنيين: جمعه في صدر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وجمعه بمعنى تأليفه.

    وفي الحديث عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس بالخير، وأجود ما يكون في شهر رمضان لأن جبريل كان يلقاه في كل ليلةٍ, من شهر رمضان حتى ينسلخ، يعرض عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرآن، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة[9].

    وعن أبي هريرة قال: كان يعرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن كل عامٍ, مرةً فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه، وكان يعتكف في كل عامٍ, عشراً فاعتكف في العام الذي قبض فيه عشرين[10].

    وعن ابن عباس قال: أنزل القرآن جملةً واحدةً إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ثم نزل بعد ذلك في عشرين سنة، ثم قرأ: ((وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلاً)) [11].

    وقال أوس بن حذيفة الثقفي: سألت أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف تحزّبون القرآن؟ قالوا: ثلاثٌ وخمسٌ وسبعٌ وتسعٌ وإحدى عشرة وثلاث عشرة وحزب المفصل وحده[12].

    وعن عبد الله بن عمرو أنه قال: (يا رسول الله في كم أقرأ القرآن؟ قال في شهر، قال: إني أقوى من ذلك. ردد الكلام أبو موسى وتناقصه حتى قال: اقرأه في سبع، قال: إني أقوى من ذلك. قال: لا يفقه من قرأه في أقل من ثلاث) [13].

    في ردّ أدلة القائلين بأن ترتيب السور اجتهادي

    اعتمد القائلون بأن ترتيب السور مسألةٌ توفيقيةٌ اجتهادية على حديثٍ, رواه يزيد الفارسي عن ابن عباس وهذا نصه:

    عن يزيد الفارسي قال: سمعت ابن عباس قال: قلت لعثمان بن عفان ما حملكم أن عمدتم إلى براءة وهي من المئين و إلى الأنفال وهي من المثاني فجعلتموها في السبع الطوال ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم؟

    قال عثمان: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - مما تنزل عليه الآيات فيدعو بعض من كان يكتب له ويقول له: ضع هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وتنزل عليه الآية و الآيتان فيقول مثل ذلك وكانت الأنفال من أول ما نزل عليه بالمدينة وكانت براءة من آخر ما نزل من القرآن وكانت قصتها شبيهة بقصتها فظننت أنها منها، فمن هناك وضعتهما في السبع الطوال ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم.

    هذا الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان وأحمد.

    قال الشيخ أحمد شاكر في تخريجه وتعليقه عليه في المسند رقم [399]: في إسناده نظرٌ كثيرٌ، بل هو عندي ضعيفٌ جداً، بل هو حديثٌ لا أصل له يدور إسناده في كل رواياته على (يزيد الفارسي) الذي رواه عن ابن عباس، تفرد به عنه عوف بن أبي جميلة الأعرابي. وهو ثقة.

    ثم قال الشيخ أحمد شاكر: فهذا يزيد الفارسي الذي انفرد برواية هذا الحديث يكاد يكون مجهولاً حتى شبّه على مثل ابن مهدي وأحمد والبخاري أن يكون هو ابن هرمز أو غيره، ويذكره البخاري في الضعفاء فلا يقبل منه مثل هذا الحديث ينفرد به، وفيه تشكيكٌ في معرفة سور القرآن الثابتة بالتواتر القطعي قراءةً وسماعاً وكتابةً في المصاحف وفيه تشكيك في إثبات البسملة في أوائل السور، كأن عثمان كان يثبتها برأيه وينفيها برأيه وحاشاه من ذلك فلا علينا إذا قلنا أنه حديثٌ لا أصل له تطبيقاً للقواعد الصحيحة التي لا خلاف فيها بين أئمة الحديث.

    ثم قال الشيخ محمد أمين المصري بعد أن نقل كلام الشيخ أحمد شاكر وغيره من العلماء المحققين كالعلامة محمد رشيد رضا.

    قال: \"وبعد هذا البحث الذي لا ندعي له الكمال و الاستيفاء نريد أن نخلص إلى أن الذي نؤمن به من غير ريبٍ, أن الذي بين دفتيّ المصحف كتاب الله جل شأنه أنزله على نبيه لا مدخل للبشر في صفةٍ, من أوصافه ولا في حرفٍ, من حروفه ولا مجال للاجتهاد في ترتيب آياته ولا في ترتيب سوره بحيث أثبتت البسملة فإنما أثبتت بأمر الله، وحيث حذفت فإنما وقع ذلك بأمر الله\".

    وإنما الريب في مثل هذه الرواية التي سبق ذكرها التي تحيط بها الشكوك وتحفها الأوهام، ومن عجبٍ, أن ينطلي أمر مثل هذه الرواية على بعض العلماء، كما مرّ لدى البيهقي والسيوطي ولعلهما أخذا بتحسين من حسنها وتصحيح من صححها والعصمة من الخطأ لله وحده[14]. أ. ه.

    وهل من أدلةٍ, أخرى للقائلين بعدم كون الترتيب توقيفياً؟

    نعم، مما استدلوا به أيضاً اختلاف مصاحف الصحابة فمنهم من رتبها على حسب زمن النزول كمصحف علي رضي الله عنه، ومصحف عبد الله بن مسعود كان أوله سورة البقرة ثم النساء ثم آل عمران.

    والجواب: أن تلك المصاحف مصاحف علمٍ, وتأويل قصدوا بها ضبط وقائعٍ, معينةٍ,، وكان فيها المنسوخ تلاوةً، فلم تكن تلك المصاحف مصاحف تلاوة.

    ولو كان ترتيب سور القرآن الذي جمع عثمان الناس على أساسه قائماً على الاجتهاد لما قبل هؤلاء الصحابة بتسليم مصاحفهم وعرضها للتحريق والتنازل عنها ولو كانت المسألة مسألة اجتهاد لتمسكوا باجتهادهم، إذ لا يلزم المجتهد أن يقلد مجتهداً آخر[15].

    أنواع التناسب في القرآن:

    مناسبة السورة للسورة التي تليها.

    التناسب بين مطلع السورة وختامها.

    المناسبة بين الآيات.

    الوحدة الموضوعية لكل سورة.

    التنسيق في تأليف العبارات بتخير الألفاظ ثم نظمها في نسقٍ, خاصٍ, يبلغ من خلالها أرقى درجات الفصاحة.

    ما الفائدة المرجوة من اعتبار ترتيب السور توقيفياً؟ وما الثمرة التي نجنيها من خلال التناسب والربط بين الآيات والسور؟

    في إثبات توقيفية ترتيب سور القرآن إثباتٌ وتأكيدٌ لمعنى قوله - تعالى -: ((إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)) فلم يكن حفظ القرآن وصونه موكول لأحدٍ, من البشر.

    وفيه أيضاً ردُّ للشبه التي يثيرها الروافض والمستشرقون حول جمع القرآن، والزيادة فيه والنقص منه كما يزعمون!! قبحهم الله.

    ومن ثمرات هذا العلم الالتفات إلى الحكمة من هذا الترتيب والاهتمام باستخراج المعاني و الحكم و لطائف النكات التي لا يتوصل إليها إلا بالتماس المناسبة والربط.

    كيفية التعرف على التناسب والربط بين السور والآيات، وبيان أسبابه:

    لمعرفة المناسبة و ارتباط السور والآيات بعضها ببعضٍ, يتم من خلال الاعتبارات التالية:

    1 - قد يكون الارتباط ظاهراً:

    2 - قد لا يكون الارتباط ظاهراً، بل يبدو لأول وهلةٍ, أن كل آية أو جملة مستقلةٍ, عن الأخرى، وهاهنا: - إما أن تكون معطوفةٌ على الأولى بحرفٍ, من حروف العطف المشتركة في الحكم، ويندرج في هذا ما يسمى ربط التضاد أو المقابلة، كأن يذكر نوعين متضادين، كذكر المؤمنين والكافرين، والخير والشر، والعلم والجهل، والظلمات والنور، وطريق الهداية وطريق الغواية، ومصير الكافرين ومصير الأتقياء المؤمنين، والظلم والعدل، والبخل و الإنفاق، والطيب والخبيث، وهذا كثير جداً في القرآن الكريم.

    - وإما أن لا تكون معطوفة، فلا بد من قرينةٍ, معنويةٍ, تؤذن بالربط ومن ذلك إلحاق النظير بالنظير، كما في قوله - تعالى -: ((كما أخرجك ربك من بيتك بالحق)) في سورة الأنفال، فكراهيتهم لما فعله - عليه الصلاة والسلام - في قسمة الغنائم، ككراهيتهم للخروج للقتال.

    ومنه أيضاً: الاستطراد، وهذا يلاحظ في كثير من سور القرآن فإذا تحدث عن قصة آدم يستطرد لما يتبع ذلك من أمور[16] وكذلك في الحديث عن عصيان إبليس لربه، أو ذكر قصص الأنبياء وهكذا.

    وبعد هذا العرض النظري المسهب لموضوع التناسب وترتيب سور القرآن، فهذا أوان الشروع في بيان الأدلة لإثبات المناسبة[17].

    التناسب بين السور[18]:

    - وجه المناسبة بين سورة الفاتحة وأول سورة البقرة:

    أرشد الله - تعالى - عباده في سورة الفاتحة إلى أن يسألوه الهداية، بقوله: ((اهدنا الصراط المستقيم)) فاستجاب لهم - سبحانه - فقال: ((ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين))، فهذا القرآن هو طريقة الهداية الكبرى.

    - وجه المناسبة بين آخر سورة البقرة وأول سورة آل عمران:

    ختمت السورة المتقدمة على سؤال النصر: ((وانصرنا على القوم الكافرين))، وفي مفتتح هذه السورة بيّن نصرتهم على الكفار باللسان والسنان.

    ووجه آخر للربط بين السور الثلاث (الفاتحة – البقرة – آل عمران)، قال - تعالى -: ((اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين)) فالذين أنعم الله عليهم هم المؤمنون، والذين غضب الله عليهم هم اليهود ولذلك فقد كان الحديث عنهم وخطابهم أكثر في سورة البقرة، والضالون هم النصارى فكثر خطابهم في سورة آل عمران.

    - وجه الترابط بين آخر سورة آل عمران و أول سورة النساء:

    أن كليهما مشترك في الأمر بالتقوى، إذ انتهت سورة آل عمران على قوله - تعالى -: ((واتقوا الله لعلكم تفلحون)) وابتدأت سورة النساء بقوله - تعالى -: ((يا أيها الناس اتقوا ربكم)).

    ولما كثر ذكر الجهاد في السورتين السابقتين، ذكر في هذه السورة مسألةً هامةً لا يتحقق الجهاد بدونها هذه المسألة تتعلق بالعدالة الاجتماعية وهي إنصاف المرأة وإعطاؤها حقها ورعاية حقوق اليتامى و الأرامل والمساكين والرأفة بهم والعطف عليهم وعدم ظلمهم، إذ الجهاد المشروع والنتيجة المرجوة منه لا يتحقق ما لم يكن المسلمون يداً واحدةً على العدو.

    - وجه التناسب بين آخر سورة الأعراف وأول سورة الأنفال:

    ختمت السورة المتقدمة بذكر الله في كل حال: ((واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين))، وبدأت سورة الأنفال بترك الانشغال بحطام الدنيا والسؤال عن الغنائم: ((إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم)).

    - وجه الارتباط بين آخر سورة الحجر وأول سورة النحل:

    قال - تعالى - في آخر سورة الحجر: ((ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون، فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين)). وقال في أول سورة النحل: ((أتى أمر الله فلا تستعجلوه - سبحانه -)) أي ما دام أن أمر الله - تعالى - آتٍ, فلا يضيق صدرك بما يقولون، فالذي خلق السماوات والأرض وخلق الإنسان من نطفةٍ, ينزل الملائكة بالروح على من يشاء من عباده فهو الذي يصطفى الرسل.

    - وجه التناسب بين آخر سورة الواقعة وأول سورة الحديد:

    قال - تعالى - في آخر سورة الواقعة: ((فسبح باسم ربك العظيم))، وقال في أول سورة الحديد: ((سبح لله ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم)) فالمناسبة والارتباط ظاهر.

    - وجه التناسب بين آخر سورة التحريم و أول سورة تبارك:

    لما ثبت في السورة المتقدمة (التحريم) أن نوحاً ولوطاً عليهما السلام مع كونهما من الأنبياء لم يستطيعا أن ينقذا أزواجهما من النار، ولم يباركا فيهما.

    وأن فرعون رغم جبروته وسعة ملكه وقوة سطوته لم يستطع أن يخضع زوجته ويجعلها تابعةً لكفره وشركه فقد باركها الله، و أن مريم بنت عمران باركها الله واصطفاها على نساء العالمين، فثبت أن البركة كلها إنما هي بيد الله - عز وجل - لا يشاركه فيها أحد، ف ((تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير)).

    التناسب بين السور من القارعة إلى الناس:

    ذكر في سورة القارعة أحوال الساعة وشدائدها، وبعد ذكر هذه الشدائد الآتية في الساعة كان لكم أن تعتبروا وتتعظوا وتعملوا الصالحات ولكن (ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر).

    وبعد بذل الجهد في التكاثر، فإن حصل لأحد مال كثير يزعم أنه فاز كلا ((والعصر، إن الإنسان لفي خسر))، فالفائزون هم المؤمنون الذين ((وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)).

    أما المكتنزون مالاً ف ((ويل لكل همزة لمزة، الذي جمع مالا وعدده)) فلو كان المال يغني عن أحد لأغنى عن أصحاب الفيل ((ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل)) وبعد ذكر ما أحله الله بأصحاب الفيل، فهذه نعمةٌ من الله على أهل قريش ((لإيلاف قريش، إيلافهم رحلة الشتاء والصيف)).

    ومن أنعم الله عليه إذ أطعمهم من جوعٍ, وآمنهم من خوف، عليه أن ينفق في سبيل الله ويرعى اليتيم ويحض على طعام المسكين ولكنهم كذبوا بالدين، ((أرأيت الذي يكذب بالدين)) وهذا شأن كفار قريش و أما النبي فقد كان يصل الرحم وينصر المظلوم ويعين على نوائب الحق ف ((إنا أعطيناك الكوثر، فصل لربك وانحر، إن شانئك هو الأبتر)).

    فاقطع موالاتهم و ((قل يا أيها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون)).

    وهذا أوان تمام دينك وكماله وقد جاء الحق وزهق الباطل ((إذا جاء نصر الله والفتح)) فقد حان وقت ارتحالك من الدنيا ((فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا)).

    وإذا رأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فقد ثبت أن ((تبت يدا أبي لهب وتب، ما أغنى عنه ماله وما كسب)). فأعلن ما جئت به ((قل هو الله أحد، الله الصمد)).
    و ((قل أعوذ برب الفلق)) و ((قل أعوذ برب الناس)).
    وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    [1] موقع مداد: (https://2u.pw/zJrye).
    [2] - مسند أحمد: رقم الحديث [17842].
    [3] - البرهان [1/256].
    [4] - انظر دلائل النظام ص39 لعبد الحميد الفراهي.
    [5] - البرهان [1/37].
    [6] - معترك الأقران في إعجاز القرآن [1/43].
    [7] - مناهل العرفان [1/53].
    [8] - النبأ العظيم [195].
    [9] - صحيح البخاري: كتاب فضائل القرآن. باب كان جبريل يعرض القرآن على النبي - صلى الله عليه وسلم -. رقم الحديث [4997].
    [10] - صحيح البخاري: كتاب فضائل القرآن. باب كان جبريل يعرض القرآن على النبي - صلى الله عليه وسلم -. رقم الحديث [4998].
    [11] - رواه بن كثير في فضل القرآن وصحح إسناده.
    [12] - رواه أبو داود. كتاب شهر رمضان. حديث رقم [1390] وفي المسند برقم [16111].
    [13] - رواه أبو داود. كتاب شهر رمضان. حديث رقم [1387].
    [14] - من هدي سورة الأنفال ص21، 22.
    [15] - انظر الإعجاز البياني في ترتيب آيات القرآن وسوره. د/ محمد أحمد يوسف القاسم.
    [16] - انظر معترك الأقران في إعجاز القرآن [1/45،46].
    [17] - المراجع التي اعتمدت عليها في استخراج المناسبات (تفسير الرازي وسبق الغايات في نسق الآيات لأشرف علي التهانوي: وأنوار التبيان في إسرار القرآن للقاضي شمس الدين بن شير محمد.
    [18] - اقتصرت على ذكر بعض الأدلة للتناسب من مواضع مختلفة في القرآن، من أوله ووسطه وآخره.
    التناسب في أسلوب القرآن الكريم [1] الكاتب: حكمت الحريري القرآن الكريم يستحوذ على السمع ويؤثر في النفوس سلباً أو إيجاباً، وذلك حسب طبيعتها فاجرةً أو تقيةً ((ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها))، فإن كانت فاجرةً فهي تنفر من القرآن وتشمئز منه، وإن كانت تقيةً فهي خاشعةٌ ووجلةٌ لذكر الله. فإن قيل: ما سر توجهك للحديث عن تأثير القرآن في النفوس واستحواذه على السمع قبل غيره من وجوه الإعجاز؟ فأقول: لتدرك الحكمة في الخطاب الإلهي الذي يبدأ بذكر السمع قبل غيره من الحواس فقال - تعالى -: ((إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا))، وقال: ((وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون)) [ النحل: 78 ]. فلتكن أيها العاقل ممن قال الله - تعالى - فيهم: ((ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا)) [ آل عمران: 193 ]، ((ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون)). ولا كالذي ((يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها)) [ الجاثية: 8 ] فأقبل ولا تخف، و ((كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين، يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم)) [المائدة: 15 - 16]. فدعنا نتأمل هذا البناء الإلهي المعجز تأملاً صادقاً، وننظر فيه بإمعانٍ, فلا توغل في الدخول إليه دفعةً واحدة، بل خطوةً إثر خطوةٍ, لتعقل ما تقف عليه وما تشاهده من أمور تثير إعجابك وتملك عليك سمعك وبصرك، تدبر في حدود سور هذا الكتاب العظيم، على الإطار العام فيها، ارتباط السورة بما قبلها وما بعدها، فهذا أحد أمور الإعجاز للقرآن الكريم. إذ أن القرآن نزل منجماً في أجزاءٍ, طويلةٍ, و أخرى قصيرةٍ, خلال ثلاثٍ, وعشرين سنةً، إلا أن هذه الأجزاء رتبت ترتيباً لا مثيل له على الإطلاق في أي كتابٍ, من كتب الأدب أو العلوم التي هي من تصنيف البشر. فسور القرآن الكريم لم ترتب حسب موضوعاتها، ولا حسب زمن نزولها، إنما للقرآن طريقته المستقلة المخالفة لما هو مألوفٌ عند البشر في الكتب والمصنفات. عندما كان ينزل الوحي على الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالآيات كان الرسول - عليه الصلاة والسلام - يأمر بعض من يكتب الوحي بوضعها في مواضع محددة من السور التي لم تكن قد اكتملت بعد، وبمجرد وضع الآية أو الآيات في موضعٍ, ما فإنها تبقى ثابتةً في موضعها الذي أمر - عليه الصلاة والسلام - بوضعها فيه من السورة دون أن يطرأ على ذلك الوضع تصحيحٌ أو تعديل، وهذا أكبر دليلٍ, وأسطع برهانٍ, على ربانية هذا الكتاب ((وإنه لتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين)) [ الشعراء:192 - 195]، وقال - تعالى -: ((وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلاً)). عن عثمان بن أبي العاص قال: كنت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالساً إذ شخص ببصره ثم صوّبه حتى كاد أن يلزقه بالأرض قال: ثم شخص ببصره فقال: \"أتاني جبريل - عليه السلام - فأمرني أن أضع هذه الآية بهذا الموضع من هذه السورة ((إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون)) [2]. قال الزركشي: فأما الآيات في كل سورةٍ, ووضع البسملة أوائلها فترتيبها توقيفيٌ بلا شكٍ, ولا خلاف فيه[3]. ترتيب السور في القرآن الكريم: قد مرّ معنا أن ترتيب القرآن لا مثيل له على الإطلاق في الكتب والمصنفات، فلم يرتب حسب الترتيب الزماني ولا حسب الموضوعات إنما له طريقته الخاصة. لكن بعض العلماء غفر الله لهم يذكر أن ترتيب السور اجتهاديٌ بخلاف ترتيب الآيات، وبعضهم يذكر أن ترتيب السور بعضه توفيقي اجتهادي وبعضه توقيفي وعمدتهم في ذلك الاستدلال بحديثٍ, يرويه يزيد الفارسي عن ابن عباس و سنأتي للكلام على هذا الحديث. وبناءً على ما تقدم من قول بعضهم أن الترتيب توفيقي، فقد قالوا لا فائدة من البحث عن التناسب والارتباط بين الآيات والسور لأن القرآن نزل منجماً في مدة ثلاثٍ, وعشرين سنةً وفي مناسباتٍ, مختلفة. ولكن هذا الكلام لا يسلم من الاعتراض عليه بل يجنح عن الصواب إذا قلنا أن القرآن من أهم المعجزات الشاهدة على رسالة خاتم النبيين - عليه الصلاة والسلام - بل هي أبقى المعجزات وأبينها، ومعلوم بالبداهة أن حسن الترتيب من أكبر محاسن الكلام البليغ، ونحن نعتقد بأن القرآن معجزٌ فهل نرضى بأن يكون عارياً عن حسن الترتيب والتناسق؟!! وكيف نترك النظر في فهم ارتباط معانيه وتناسق آياته وسوره وإتقان ترتيبها؟ والله - عز وجل - أمرنا بتدبر هذا الكتاب الكريم فقال: ((أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيراً)) وقد وصف الله - تعالى - هذا الكتاب بكونه محكماً ((قرآناً عربياً غير ذي عوج لعلهم يتقون)) [ الزمر: 28]، وقال - تعالى -: ((وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلاً)). فكونه أنزل على مدى سنين متطاولةٍ, وبمناسباتٍ, مختلفةٍ, متفاوتة، فهذا دليل بين على إعجازه لأنه كلام عالم الغيب والشهادة: ((قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً)). وربما يحط عندك قدر خطيب مصقع أتى بفنون من البلاغة وأثر في النفوس بخلابة بيانه لمحض أنه ذهل عن ربط الكلام فهام من وادٍ, إلى وادٍ,، مع أنه معذور لأنه ألقى خطبته ارتجالاً ولم يعمل فيها النظر والروية، وما مؤاخذاتك لذلك الخطيب إلا لأن الكلام البليغ لا يحتمل سوء الترتيب، فإذا كان الأمر كذلك، أليس من الموقن بإعجاز القرآن أن يثبت حسن نظمه وإحكام ترتيبه وتناسق آياته وسوره؟![4] ماذا قال العلماء في موضوع التناسب والترتيب؟ - قال الفخر الرازي:\"علم المناسبات علمٌ عظيم أودعت فيه أكثر لطائف القرآن وروائعه وهو أمر معقول إذا عرض على العقول تلقته بالقبول\". - وقال الزركشي: \"وقال بعض مشايخنا المحققين: وقد وهم من قال: لا يطلب للآي الكريمة مناسبةٌ لأنها على حسب الوقائع المتفرقة وفصل الخطاب أنها على حسب الوقائع تنزيلاً وعلى حسب الحكمة ترتيباً، فالمصحف كالصحف الكريمة على وفق ما في الكتاب المكنون مرتبةً سوره كلها و آياته بالتوقيف\"[5]. - وفي معترك الأقران للسيوطي: إذا اعتبرت افتتاح كل سورة وجدته في غاية المناسبة لما ختم به السورة قبلها، ثم هو يخفى تارةً ويظهر أخرى. [1/52]. - وقال السيوطي: علم المناسبة علم شريف قلّ اعتناء المفسرين به لدقته[6]. - وقال الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني: إن القرآن تقرؤه من أوله إلى آخره، فإذا هو محكم السرد، دقيق السبك، متين الأسلوب، قوي الاتصال، آخذٌ بعضه برقاب بعض في سوره وآياته وجمله، يجري دم الإعجاز فيه كله من ألفه إلى يائه، كأنه سبيكةٌ واحدةٌ ولا يكاد يوجد بين أجزائه تفكك ولا تخاذل، كأنه حلقةٌ مفرغة، أو كأنه سمطٌ وحيد وعقدٌ فريد يأخذ بالأبصار، نظمت حروفه وكلماته، ونسقت جمله وآياته، وجاء آخره مساوقاً لأوله، وبدا أوله مواتياً لآخره[7]. - وقال الشيخ محمد عبد الله دراز: (أجل إنك لتقرأ السورة الطويلة المنجمة يحسبها الجاهل أضغاثاً من المعاني حشيت حشواً وأوزاعاً من المباني جمعت عفواً، فإذا هي لو تدبرت بنية متماسكة قد بنيت من المقاصد الكلية على أسسٍ, و أصول،ٍ, وأقيم على كل أصلٍ, منها شعب وفصول، و امتد من كل شعبةٍ, منها فروعٌ تقصر أو تطول، فلا تزال تنتقل بين أجزائها كما تنتقل بين حجرات وأفنية في بنيانٍ, واحدٍ, قد وضع رسمه مرةً واحدةً، لا تحس بشيءٍ, من تناكر الأوضاع في التقسيم والتنسيق، ولا بشيءٍ, من الانفصال في الخروج من طريقٍ, إلى طريقٍ,، بل ترى بين الأجناس المختلفة تمام الألفة، كما ترى بين آحاد الجنس الواحد نهاية التضام، والالتحام، كل ذلك بغير تكلفٍ, ولا استعانةٍ, بأمرٍ, من خارج المعاني أنفسها، إنما هو حسن السياقة ولطف التمهيد في مطلع كل غرضٍ, ومقطعه وأثنائه يريك المنفصل متصلاً والمختلف مؤتلفاً[8]. وغير هؤلاء من العلماء كثيرٌ من المتقدمين و المتأخرين الذين يهتمون بعلم التناسب والربط بين السور و الآيات. الأدلة من الكتاب والسنة على أن ترتيب السور توقيفي: والأدلة التي استند إليها العلماء القائلون بأن ترتيب السور توقيفي وليس اجتهادي، كثيرةٌ منها: قوله - تعالى -: ((إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)). وقوله: ((كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير)). وقوله: ((ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيراً)). وقوله: ((إن علينا جمعه وقرآنه)) والجمع كما قال المفسرون على معنيين: جمعه في صدر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وجمعه بمعنى تأليفه. وفي الحديث عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس بالخير، وأجود ما يكون في شهر رمضان لأن جبريل كان يلقاه في كل ليلةٍ, من شهر رمضان حتى ينسلخ، يعرض عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرآن، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة[9]. وعن أبي هريرة قال: كان يعرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن كل عامٍ, مرةً فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه، وكان يعتكف في كل عامٍ, عشراً فاعتكف في العام الذي قبض فيه عشرين[10]. وعن ابن عباس قال: أنزل القرآن جملةً واحدةً إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ثم نزل بعد ذلك في عشرين سنة، ثم قرأ: ((وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلاً)) [11]. وقال أوس بن حذيفة الثقفي: سألت أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف تحزّبون القرآن؟ قالوا: ثلاثٌ وخمسٌ وسبعٌ وتسعٌ وإحدى عشرة وثلاث عشرة وحزب المفصل وحده[12]. وعن عبد الله بن عمرو أنه قال: (يا رسول الله في كم أقرأ القرآن؟ قال في شهر، قال: إني أقوى من ذلك. ردد الكلام أبو موسى وتناقصه حتى قال: اقرأه في سبع، قال: إني أقوى من ذلك. قال: لا يفقه من قرأه في أقل من ثلاث) [13]. في ردّ أدلة القائلين بأن ترتيب السور اجتهادي اعتمد القائلون بأن ترتيب السور مسألةٌ توفيقيةٌ اجتهادية على حديثٍ, رواه يزيد الفارسي عن ابن عباس وهذا نصه: عن يزيد الفارسي قال: سمعت ابن عباس قال: قلت لعثمان بن عفان ما حملكم أن عمدتم إلى براءة وهي من المئين و إلى الأنفال وهي من المثاني فجعلتموها في السبع الطوال ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم؟ قال عثمان: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - مما تنزل عليه الآيات فيدعو بعض من كان يكتب له ويقول له: ضع هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وتنزل عليه الآية و الآيتان فيقول مثل ذلك وكانت الأنفال من أول ما نزل عليه بالمدينة وكانت براءة من آخر ما نزل من القرآن وكانت قصتها شبيهة بقصتها فظننت أنها منها، فمن هناك وضعتهما في السبع الطوال ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم. هذا الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان وأحمد. قال الشيخ أحمد شاكر في تخريجه وتعليقه عليه في المسند رقم [399]: في إسناده نظرٌ كثيرٌ، بل هو عندي ضعيفٌ جداً، بل هو حديثٌ لا أصل له يدور إسناده في كل رواياته على (يزيد الفارسي) الذي رواه عن ابن عباس، تفرد به عنه عوف بن أبي جميلة الأعرابي. وهو ثقة. ثم قال الشيخ أحمد شاكر: فهذا يزيد الفارسي الذي انفرد برواية هذا الحديث يكاد يكون مجهولاً حتى شبّه على مثل ابن مهدي وأحمد والبخاري أن يكون هو ابن هرمز أو غيره، ويذكره البخاري في الضعفاء فلا يقبل منه مثل هذا الحديث ينفرد به، وفيه تشكيكٌ في معرفة سور القرآن الثابتة بالتواتر القطعي قراءةً وسماعاً وكتابةً في المصاحف وفيه تشكيك في إثبات البسملة في أوائل السور، كأن عثمان كان يثبتها برأيه وينفيها برأيه وحاشاه من ذلك فلا علينا إذا قلنا أنه حديثٌ لا أصل له تطبيقاً للقواعد الصحيحة التي لا خلاف فيها بين أئمة الحديث. ثم قال الشيخ محمد أمين المصري بعد أن نقل كلام الشيخ أحمد شاكر وغيره من العلماء المحققين كالعلامة محمد رشيد رضا. قال: \"وبعد هذا البحث الذي لا ندعي له الكمال و الاستيفاء نريد أن نخلص إلى أن الذي نؤمن به من غير ريبٍ, أن الذي بين دفتيّ المصحف كتاب الله جل شأنه أنزله على نبيه لا مدخل للبشر في صفةٍ, من أوصافه ولا في حرفٍ, من حروفه ولا مجال للاجتهاد في ترتيب آياته ولا في ترتيب سوره بحيث أثبتت البسملة فإنما أثبتت بأمر الله، وحيث حذفت فإنما وقع ذلك بأمر الله\". وإنما الريب في مثل هذه الرواية التي سبق ذكرها التي تحيط بها الشكوك وتحفها الأوهام، ومن عجبٍ, أن ينطلي أمر مثل هذه الرواية على بعض العلماء، كما مرّ لدى البيهقي والسيوطي ولعلهما أخذا بتحسين من حسنها وتصحيح من صححها والعصمة من الخطأ لله وحده[14]. أ. ه. وهل من أدلةٍ, أخرى للقائلين بعدم كون الترتيب توقيفياً؟ نعم، مما استدلوا به أيضاً اختلاف مصاحف الصحابة فمنهم من رتبها على حسب زمن النزول كمصحف علي رضي الله عنه، ومصحف عبد الله بن مسعود كان أوله سورة البقرة ثم النساء ثم آل عمران. والجواب: أن تلك المصاحف مصاحف علمٍ, وتأويل قصدوا بها ضبط وقائعٍ, معينةٍ,، وكان فيها المنسوخ تلاوةً، فلم تكن تلك المصاحف مصاحف تلاوة. ولو كان ترتيب سور القرآن الذي جمع عثمان الناس على أساسه قائماً على الاجتهاد لما قبل هؤلاء الصحابة بتسليم مصاحفهم وعرضها للتحريق والتنازل عنها ولو كانت المسألة مسألة اجتهاد لتمسكوا باجتهادهم، إذ لا يلزم المجتهد أن يقلد مجتهداً آخر[15]. أنواع التناسب في القرآن: مناسبة السورة للسورة التي تليها. التناسب بين مطلع السورة وختامها. المناسبة بين الآيات. الوحدة الموضوعية لكل سورة. التنسيق في تأليف العبارات بتخير الألفاظ ثم نظمها في نسقٍ, خاصٍ, يبلغ من خلالها أرقى درجات الفصاحة. ما الفائدة المرجوة من اعتبار ترتيب السور توقيفياً؟ وما الثمرة التي نجنيها من خلال التناسب والربط بين الآيات والسور؟ في إثبات توقيفية ترتيب سور القرآن إثباتٌ وتأكيدٌ لمعنى قوله - تعالى -: ((إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)) فلم يكن حفظ القرآن وصونه موكول لأحدٍ, من البشر. وفيه أيضاً ردُّ للشبه التي يثيرها الروافض والمستشرقون حول جمع القرآن، والزيادة فيه والنقص منه كما يزعمون!! قبحهم الله. ومن ثمرات هذا العلم الالتفات إلى الحكمة من هذا الترتيب والاهتمام باستخراج المعاني و الحكم و لطائف النكات التي لا يتوصل إليها إلا بالتماس المناسبة والربط. كيفية التعرف على التناسب والربط بين السور والآيات، وبيان أسبابه: لمعرفة المناسبة و ارتباط السور والآيات بعضها ببعضٍ, يتم من خلال الاعتبارات التالية: 1 - قد يكون الارتباط ظاهراً: 2 - قد لا يكون الارتباط ظاهراً، بل يبدو لأول وهلةٍ, أن كل آية أو جملة مستقلةٍ, عن الأخرى، وهاهنا: - إما أن تكون معطوفةٌ على الأولى بحرفٍ, من حروف العطف المشتركة في الحكم، ويندرج في هذا ما يسمى ربط التضاد أو المقابلة، كأن يذكر نوعين متضادين، كذكر المؤمنين والكافرين، والخير والشر، والعلم والجهل، والظلمات والنور، وطريق الهداية وطريق الغواية، ومصير الكافرين ومصير الأتقياء المؤمنين، والظلم والعدل، والبخل و الإنفاق، والطيب والخبيث، وهذا كثير جداً في القرآن الكريم. - وإما أن لا تكون معطوفة، فلا بد من قرينةٍ, معنويةٍ, تؤذن بالربط ومن ذلك إلحاق النظير بالنظير، كما في قوله - تعالى -: ((كما أخرجك ربك من بيتك بالحق)) في سورة الأنفال، فكراهيتهم لما فعله - عليه الصلاة والسلام - في قسمة الغنائم، ككراهيتهم للخروج للقتال. ومنه أيضاً: الاستطراد، وهذا يلاحظ في كثير من سور القرآن فإذا تحدث عن قصة آدم يستطرد لما يتبع ذلك من أمور[16] وكذلك في الحديث عن عصيان إبليس لربه، أو ذكر قصص الأنبياء وهكذا. وبعد هذا العرض النظري المسهب لموضوع التناسب وترتيب سور القرآن، فهذا أوان الشروع في بيان الأدلة لإثبات المناسبة[17]. التناسب بين السور[18]: - وجه المناسبة بين سورة الفاتحة وأول سورة البقرة: أرشد الله - تعالى - عباده في سورة الفاتحة إلى أن يسألوه الهداية، بقوله: ((اهدنا الصراط المستقيم)) فاستجاب لهم - سبحانه - فقال: ((ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين))، فهذا القرآن هو طريقة الهداية الكبرى. - وجه المناسبة بين آخر سورة البقرة وأول سورة آل عمران: ختمت السورة المتقدمة على سؤال النصر: ((وانصرنا على القوم الكافرين))، وفي مفتتح هذه السورة بيّن نصرتهم على الكفار باللسان والسنان. ووجه آخر للربط بين السور الثلاث (الفاتحة – البقرة – آل عمران)، قال - تعالى -: ((اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين)) فالذين أنعم الله عليهم هم المؤمنون، والذين غضب الله عليهم هم اليهود ولذلك فقد كان الحديث عنهم وخطابهم أكثر في سورة البقرة، والضالون هم النصارى فكثر خطابهم في سورة آل عمران. - وجه الترابط بين آخر سورة آل عمران و أول سورة النساء: أن كليهما مشترك في الأمر بالتقوى، إذ انتهت سورة آل عمران على قوله - تعالى -: ((واتقوا الله لعلكم تفلحون)) وابتدأت سورة النساء بقوله - تعالى -: ((يا أيها الناس اتقوا ربكم)). ولما كثر ذكر الجهاد في السورتين السابقتين، ذكر في هذه السورة مسألةً هامةً لا يتحقق الجهاد بدونها هذه المسألة تتعلق بالعدالة الاجتماعية وهي إنصاف المرأة وإعطاؤها حقها ورعاية حقوق اليتامى و الأرامل والمساكين والرأفة بهم والعطف عليهم وعدم ظلمهم، إذ الجهاد المشروع والنتيجة المرجوة منه لا يتحقق ما لم يكن المسلمون يداً واحدةً على العدو. - وجه التناسب بين آخر سورة الأعراف وأول سورة الأنفال: ختمت السورة المتقدمة بذكر الله في كل حال: ((واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين))، وبدأت سورة الأنفال بترك الانشغال بحطام الدنيا والسؤال عن الغنائم: ((إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم)). - وجه الارتباط بين آخر سورة الحجر وأول سورة النحل: قال - تعالى - في آخر سورة الحجر: ((ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون، فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين)). وقال في أول سورة النحل: ((أتى أمر الله فلا تستعجلوه - سبحانه -)) أي ما دام أن أمر الله - تعالى - آتٍ, فلا يضيق صدرك بما يقولون، فالذي خلق السماوات والأرض وخلق الإنسان من نطفةٍ, ينزل الملائكة بالروح على من يشاء من عباده فهو الذي يصطفى الرسل. - وجه التناسب بين آخر سورة الواقعة وأول سورة الحديد: قال - تعالى - في آخر سورة الواقعة: ((فسبح باسم ربك العظيم))، وقال في أول سورة الحديد: ((سبح لله ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم)) فالمناسبة والارتباط ظاهر. - وجه التناسب بين آخر سورة التحريم و أول سورة تبارك: لما ثبت في السورة المتقدمة (التحريم) أن نوحاً ولوطاً عليهما السلام مع كونهما من الأنبياء لم يستطيعا أن ينقذا أزواجهما من النار، ولم يباركا فيهما. وأن فرعون رغم جبروته وسعة ملكه وقوة سطوته لم يستطع أن يخضع زوجته ويجعلها تابعةً لكفره وشركه فقد باركها الله، و أن مريم بنت عمران باركها الله واصطفاها على نساء العالمين، فثبت أن البركة كلها إنما هي بيد الله - عز وجل - لا يشاركه فيها أحد، ف ((تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير)). التناسب بين السور من القارعة إلى الناس: ذكر في سورة القارعة أحوال الساعة وشدائدها، وبعد ذكر هذه الشدائد الآتية في الساعة كان لكم أن تعتبروا وتتعظوا وتعملوا الصالحات ولكن (ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر). وبعد بذل الجهد في التكاثر، فإن حصل لأحد مال كثير يزعم أنه فاز كلا ((والعصر، إن الإنسان لفي خسر))، فالفائزون هم المؤمنون الذين ((وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)). أما المكتنزون مالاً ف ((ويل لكل همزة لمزة، الذي جمع مالا وعدده)) فلو كان المال يغني عن أحد لأغنى عن أصحاب الفيل ((ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل)) وبعد ذكر ما أحله الله بأصحاب الفيل، فهذه نعمةٌ من الله على أهل قريش ((لإيلاف قريش، إيلافهم رحلة الشتاء والصيف)). ومن أنعم الله عليه إذ أطعمهم من جوعٍ, وآمنهم من خوف، عليه أن ينفق في سبيل الله ويرعى اليتيم ويحض على طعام المسكين ولكنهم كذبوا بالدين، ((أرأيت الذي يكذب بالدين)) وهذا شأن كفار قريش و أما النبي فقد كان يصل الرحم وينصر المظلوم ويعين على نوائب الحق ف ((إنا أعطيناك الكوثر، فصل لربك وانحر، إن شانئك هو الأبتر)). فاقطع موالاتهم و ((قل يا أيها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون)). وهذا أوان تمام دينك وكماله وقد جاء الحق وزهق الباطل ((إذا جاء نصر الله والفتح)) فقد حان وقت ارتحالك من الدنيا ((فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا)). وإذا رأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فقد ثبت أن ((تبت يدا أبي لهب وتب، ما أغنى عنه ماله وما كسب)). فأعلن ما جئت به ((قل هو الله أحد، الله الصمد)). و ((قل أعوذ برب الفلق)) و ((قل أعوذ برب الناس)). وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ [1] موقع مداد: (https://2u.pw/zJrye). [2] - مسند أحمد: رقم الحديث [17842]. [3] - البرهان [1/256]. [4] - انظر دلائل النظام ص39 لعبد الحميد الفراهي. [5] - البرهان [1/37]. [6] - معترك الأقران في إعجاز القرآن [1/43]. [7] - مناهل العرفان [1/53]. [8] - النبأ العظيم [195]. [9] - صحيح البخاري: كتاب فضائل القرآن. باب كان جبريل يعرض القرآن على النبي - صلى الله عليه وسلم -. رقم الحديث [4997]. [10] - صحيح البخاري: كتاب فضائل القرآن. باب كان جبريل يعرض القرآن على النبي - صلى الله عليه وسلم -. رقم الحديث [4998]. [11] - رواه بن كثير في فضل القرآن وصحح إسناده. [12] - رواه أبو داود. كتاب شهر رمضان. حديث رقم [1390] وفي المسند برقم [16111]. [13] - رواه أبو داود. كتاب شهر رمضان. حديث رقم [1387]. [14] - من هدي سورة الأنفال ص21، 22. [15] - انظر الإعجاز البياني في ترتيب آيات القرآن وسوره. د/ محمد أحمد يوسف القاسم. [16] - انظر معترك الأقران في إعجاز القرآن [1/45،46]. [17] - المراجع التي اعتمدت عليها في استخراج المناسبات (تفسير الرازي وسبق الغايات في نسق الآيات لأشرف علي التهانوي: وأنوار التبيان في إسرار القرآن للقاضي شمس الدين بن شير محمد. [18] - اقتصرت على ذكر بعض الأدلة للتناسب من مواضع مختلفة في القرآن، من أوله ووسطه وآخره.
    1
    0
  • كيفية وصل "يلهث ذلك" في الأعراف

    #صحح
    #التجويد_في_3دقائق
    كيفية وصل "يلهث ذلك" في الأعراف #صحح #التجويد_في_3دقائق
    3 0
  • ثلاث كلمات متشابهة في الشكل مختلفة في النطق

    #صحح
    #التجويد_في_3دقائق
    ثلاث كلمات متشابهة في الشكل مختلفة في النطق #صحح #التجويد_في_3دقائق
    0 0
شاهد المزيد
  • إبراهيم عليه السلام في القرآن(1)
    إبراهيم عليه السلام في القرآن الكريم (1)   إبراهيم عليه السلام (نبيٌّ أمّة) ما هي صفاته التي حدثنا عنها القرآن الكريم؟   من أكثر القصص وروداً في القرآن الكريم، قصة نبيّ كريم، اصطفاه الله، واصطفى آله، وجعل في ذريته النبوة والكتاب، هو إبراهيم عليه السلام. قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ۝ ذُرِّيَّةً...
    0
  • القرآن الكريم وترجمته في الغرب
    القرآن الكريم وترجمته في الغرب[1]   فرانسوا ديروشي ترجمة: الدكتور وليد بن بليهش العمري[2] صفحة المترجم (www.aaynet.com/WaleedBleyhesh)                          تقديم بين يدي البحث الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه: يختص صاحب...
    2
    0
    1
  • المرشد في ترجمة المحتوى الإسلامي (2)
    المرشد في ترجمة المحتوى الإسلامي (2) مرشد تدريبي ومرجع تأطيري   الكاتب / د. وليد بن بليهش العمري   الجَلْسَة السَّابعَة طُرُق التّعامل مَعَ حَالَاتِ عَدَم التّطابُق   أهداف الجلسة التعرف على حالات عدم التطابق. التعرف على طرق التعامل معها. التعرف على كونيات الترجمة.   تختلف اللغات من حيث تعبيرها عن الأمور واستيعابها للكلمات التي تعبر عن واقع أهل اللغة...
    1
    0
  • مصطلحات علوم القرآن
    مقارنة بين بعض مصطلحات علوم القرآن (نماذج مما يتوهم تداخله من المصطلحات المتعلقة بالنص القرآني وأبرز مباحث علوم القرآن)   الكاتبة: منيرة بنت خليفة بن إبراهيم بوعنقاء الخالدي 1442 هـ -2021م   الملخص   تتناول الدراسة موضوع مصطلحات علوم القرآن؛ وفيها تم انتقاء أبرز الفروق التي تحتاج إلى دراسة، والتي يكثر الخلط وتوهم التشابه بين تعاريفها. وأما طريقة البحث المتبعة هي: منهج...
    1
  • معترك الأقران في ترجمة معاني القرآن
    معترك الأقران في ترجمة معاني القرآن دراسة تحليلية للألفاظ القرآنية ذات الوجوه وتعامل مترجمي معاني القرآن الكريم معها   الكاتب: أ.د وليد بن بليهش العمري   ومضة إن أول ما يحتاج أن يُشتغل به من علوم القرآن، العلوم اللفظية... وليس ذلك نافعاً في علم القرآن فقط، بل هو نافع في كل علم من علوم الشرع، فألفاظ القرآن هي لب كلام العرب وزبدته، وواسطته وكرائمه، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء...
    2
    1
  • مفردات كلمات القرآن (حرف الراء)
    مفردات كلمات القرآن (حرف الراء) إعداد مركز المحتوى القرآني ردءاً   وردت مادة: (ردأ) مرة واحدة في القرآن الكريم. وذلك في قوله تعالى: ﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ﴾ [القصص: 34]. قال أبو عبيدة: " (رِدْءاً) أي: معيناً، ويقال: قد أردأت فلاناً على عدوه وعلى ضيعته أي أكنفته وأعنته، أي صرت له كنفاً....
    1
  • مفردات كلمات القرآن (حرف العين)
    إعداد مركز المحتوى القرآني   ما يعزب   وردت مادة: (عزب) مرتين في القرآن الكريم. في قوله تعالى: ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي...
    0
  • مفردات كلمات القرآن الكريم (حرف الألف)
    مفردات كلمات القرآن الكريم (حرف الألف)   أبٌّ مرعى ومتاع   قال تعالى: ﴿وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ۝ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ﴾ [عبس: 31- 32]، أما الفاكهة، فقد عرفناها، فما هو الأبّ؟ روي هذا السؤال عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو لسان حال كل منا بعد قراءة هذه الآية الكريمة، ومعنى الأبّ يدور حول ما يلي: أولاً: مرعى البهائم: قال أبو عبيدة: "وأما الأبّ كل مرعى للهوام". ([1])...
    1
    1

Warning: Undefined array key "users" in /home/aaynetcom/dev01.aaynet.com/content/themes/default/templates_compiled/8ba3de4b4f15ce781822631c5e8074d9d8757cb1_0.file.search.tpl.php on line 320

Fatal error: Uncaught TypeError: count(): Argument #1 ($value) must be of type Countable|array, null given in /home/aaynetcom/dev01.aaynet.com/content/themes/default/templates_compiled/8ba3de4b4f15ce781822631c5e8074d9d8757cb1_0.file.search.tpl.php:320 Stack trace: #0 /home/aaynetcom/dev01.aaynet.com/includes/libs/Smarty/sysplugins/smarty_template_resource_base.php(123): content_68befdb1e29013_62787904() #1 /home/aaynetcom/dev01.aaynet.com/includes/libs/Smarty/sysplugins/smarty_template_compiled.php(114): Smarty_Template_Resource_Base->getRenderedTemplateCode() #2 /home/aaynetcom/dev01.aaynet.com/includes/libs/Smarty/sysplugins/smarty_internal_template.php(216): Smarty_Template_Compiled->render() #3 /home/aaynetcom/dev01.aaynet.com/includes/libs/Smarty/sysplugins/smarty_internal_templatebase.php(232): Smarty_Internal_Template->render() #4 /home/aaynetcom/dev01.aaynet.com/includes/libs/Smarty/sysplugins/smarty_internal_templatebase.php(134): Smarty_Internal_TemplateBase->_execute() #5 /home/aaynetcom/dev01.aaynet.com/includes/functions.php(1121): Smarty_Internal_TemplateBase->display() #6 /home/aaynetcom/dev01.aaynet.com/search.php(55): page_footer() #7 {main} thrown in /home/aaynetcom/dev01.aaynet.com/content/themes/default/templates_compiled/8ba3de4b4f15ce781822631c5e8074d9d8757cb1_0.file.search.tpl.php on line 320